Wednesday, 9 January 2013

Updated - Latest Releases from Omar Shafik Hammami (aka Abu Mansour Al-Amriki)

For some good analysis of this message and what this may tell us about the internal dynamics of al-Shabaab make sure to read this article from the Long War Journal as well as this series of posts from Clinton Watts at his excellent blog Selected Wisdom.

The Video

If for any reason this audio file is no longer available please email us and we will arrange for it them be made available again

Transcript

/**/النص/**/
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
إلى شيخنا الفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لن أطيل في ذكر فضلكم علي بما استفدت من خطبكم الممتعة, ولكني أدخل مباشرة في صميم الموضوع, ألا وهو تدهور حالي الخاص في هذا البلد, كما لعلك سمعت في الأخبار.
إذن المطلوب منكم ومن إخواني الذين يجتمعون حولكم, المساعدة حسب ما يطيقون مع النظر إلى الاستمرارية أكثر من الكثرة مرة واحدة.
ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة.
هذا وصل اللهم وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين,
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

Introduction

/**/مقدمة/**/

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله

أما بعد :

إلى قادة الجهاد الأفاضل
من العبد الفقير أبي منصور الأمريكي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نسأل الله أن تكونوا في خير حال وفي صحة وعافية. وحفظكم الله من كيد الأعداء.

ثم قبل الشروع في المقصود من هذه الرسالة أريد أن أعتذر إليكم بأن مع كوني عربي الأصول ما زلت أعجمي اللسان فأرجو منكم غض الطرف عن الأخطاء النحوية واللغوية والإملائية. وكان ينغبي علي في مثل هذه المراسلات أن أبحث عن من يكتب عني من الذين درسوا علوم البلاغة والفصاحة. ولكن هذا ما بلغ جهدي فسامحونا على التقصير.

وثانيا أريد أن أعتذر إليكم بأنني لست إلا إنسان أخطئ وأصيب, وقد أميل إلى جانبي في التعبير وأيضا قد تكون صورة المسألة عندي غير كاملة, ولكن مع ذلك أعتقد أن وجهة نظري هي الغائبة عن معرفة أكثر الناس وبالعكس الجانب الآخر هو منتشر في المنتديات وفي الأفلام. وعلى كل حال لستم مجبورين على الاكتفاء بمجرد ما أقول. بل يجب عليكم أن تسمعوا من الجانبين بإنصاف مع العلم بأن من البيان لسحرا وقد يكون بعضنا أبلغ من بعض فعليكم بالحقائق - ولو كانت مريرة - دون العبارات الجميلة.

والآن ندخل في لب الموضوع بذكر التاريخ الذي أدى إلى وضعنا الحرج:

ما حصل بعد الانسحاب أيام المحاكم الإسلامية

بعد الانسحاب الكبير – وأحسب أن تفاصيله معروفة لديكم – اجتمعنا بالشيخ حسن تركي في غابة رأس كيامبوني وبدأنا بعض التدريبات مع أبي منصور البيحاني رحمه الله تعالى (قائد يمني من القاعدة). وكان أبو منصور هو معلمنا ومنشدنا والذي يزيل عنا الهم والحزن في حالات الضيق ولكنه مع ذلك ما استطاع إخفاء ما في نفسه من الحزن لأجل اجتناب الشيخ حسن تركي أي دور يذكر للمهاجرين - إلا إذا جاء عن طريق أبي عبد الله السوداني (عيسى عثمان عيسى) - وكان أبو عبدالله يغيب عنا كثيرا في تلك الأيام لفترات طويلة لأجل المشاركة في الحرب وغير ذلك. 

فكان أبو منصور يريد تدريب المهاجرين في غياب أبي عبدالله (وكان هذا بأمر أبي عبدالله نفسه) على أفضل وجه ممكن إبراء لذمته أمام الله سبحانه وتعالى. ولكن الذين حول الشيخ حسن تركي رفضوا ذلك وهددوا المهاجرين بأن يربطوا بشجرة لو حاولوا الخروج من الغابة. ولكنهم رغم هذه التهديدات خرجوا واستأجروا سفينة للخروج من الصومال إلى أي جبهة أخرى (وكان الأمل في أفغانستان). وكان أبو منصور رحمه الله يطلب مني أن أرافقه في ذاك السفر لكن الرؤى والاستخارة أجلستني. وما كان إلا أسابيع بعد ذلك ثم سمعنا الخبر بأن نصف الإخوة استشهدوا في بلد اسمه (برجال) والنصف الآخر نجوا لكي يقعوا أسرى في دول شتى. وقيل أنهم تعرضوا لعملية تجسسية. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

ثم بقينا أقلة في كيامبوني وغاب عنا أبو عبد الله لأجل عزيمته أن يصل إلى الإخوة من القاعدة ولكنه أسر في منتصف الطريق في السودان وترك خبرا عند صاحب فازول (أبو فاضل القمري) - واسم صاحبه هذا عبد الله ديري (الذي استشهد معه) رحمهما الله - بأن يخرجوا المهاجرين من كيامبوني بعد 6 أشهر من خروجه (كما وعدنا قبل الخروج). وتزامن ذلك الوقت مع حصول المهاجرين على الخبر بأن الشيخ حسن تركي دخل مع الشيخ شريف في تحالف أسمرا الذي كان يجمع كثيرا من العلمانيين. فرفضنا ذلك (وأنا خاصة أوذيت كثيرا لأجل الصدع بالحق في المسألة حيث كنت أستاذا للمادة الشرعية وأحد مدربي المعسكر) وكنا نخشى على أنفسنا كثيرا.

ثم جاء المبعوث من عبد الله ديري ليخرجنا من كيامبوني وهذا أيضا تزامن مع إعلان حركة الشباب المجاهدين بأنهم رفضوا الدخول في تحالف العلمانيين وفرحنا بذلك جدا وحاولنا الاتصال بهم ثم الالتحاق بهم. وقد كنا نظن آنذاك أن مشكلة عدم وضوح الراية قد حلت بهذا.

وبعد مشاورات من قبل حركة الشباب المجاهدين قبلوا – أخيرا – بأن يرحبوا بالمهاجرين. فتنكرنا بزي النساء وركبنا السفن ومررنا بقطاع الطريق للوصول إليهم ورحبوا بنا فعلا. جزاهم الله خيرا.

ثم جلسنا مع الشيخ أبي الزبير وتحدثنا عما جرى في كيامبوني وقلنا أن الأخطاء التي حصلت بين المهاجرين والأنصار كانت لأجل عدم التفاهم والتنسيق. فطلبنا منه رجلا يكون بيننا للتنسيق لأن المهاجرين كانوا كيانا خاصا غير كيان حركة الشباب المجاهدين فلم تكن العلاقة مجرد أوامر والسمع والطاعة بل مشاورة وتنسيق.

فتزامن ذلك مع رجوع صالح النبهان إلى الصومال واختاروه لهذا المنصب. ثم قبل النبهان هذا العمل بشرط قبول المهاجرين (مع أنه كان يريد العمل الخارجي لا النظر في أحوال المهاجرين الداخلية). فجلس معنا واستفتانا في ذلك وقبلنا بفرح شديد وكونا إدارة جديدة.

إدارة المهاجرين الأولى تحت حركة الشباب المجاهدين مع صالح النبهان

كان أمير المهاجرين منذ ذهاب أبي عبد الله السوداني إلى وقت الإدارة الجديدة مهاجر نسميه "أعسر يسر". والأخ طيب جدا ولكنه انخرط مع السياسة المحلية ونسأل الله أن يهدينا جميعا.

والمهم من هذا أن "أعسر يسر" أصبح نائب النبهان وكنت أنا أمير الجبهات وأمير الشورى. وهذه الألقاب كبيرة لكن عددنا لم يكن يجاوز فصيلا مع من معنا من الصوماليين من الغرب.

علاقة الإدارة الجديدة مع الأنصار وأول ذكر للقاعدة:

في هذا الوقت المبكر جاء كبار أمراء الحركة وجلسوا مع إدارة المهاجرين الجديدة وصرحوا بأن البعض يخشون من استقلالية المهاجرين ومن الكلام عن القاعدة فتكلم النبهان وقال بأن العلاقة بين المهاجرين والأنصار ستكون على أساس علاقة القاعدة بالطالبان. وقال بأنه سيعلن اسم القاعدة بعد 6 أشهر إذا فشل الحركة في التواصل مع القاعدة في تلك المدة. ثم أقر الشيخ أبو الزبير هذا الكلام – ظاهرا – ولكنه قال أنه يريد علاقة مثل العلاقة بين المهاجرين والأنصار في الدولة الإسلامية في العراق. وأضاف أن إمارة الحركة تكون للأكفء حتى لو كان مهاجرا.

ثم ذهبنا إلى الجبهة وشاركنا في بعض المعارك كما شاهدتم في الأفلام (كمثل كمين بردالي) ورجعنا مع شكاوى كثيرة ومطالب كثيرة وتزامن ذلك مع تعقيد أول شورى كبيرة لحركة الشباب المجاهدين مع المهاجرين. فكنا نحن الثلاثة كلنا حاضرين في الشورى مع الانصار. وكأنهم خافوا من ثقتنا بأنفسنا وبنظامنا المتماسك لأنهم سحبوني من المهاجرين بعد هذه الجلسة فورا وجعلوني أميرا لجيش مقديشو بسرعة رهيبة!

ما جرى معي في مناصب الأنصار:

استمر النبهان رحمه الله في تدبير الأمورمع أعسر يسر في وقت أنني كنت أعاني من قلة التجاوب من الأنصار. بدأت أشعر أنهم أعطوني منصبا شكليا فقط وهذا بعد أن أرسلوا جميع جيشي إلى الأقاليم بدون علمي مرتين! وكان جميع الجيش على أتم دراية بذلك - مع الأمراء الكبار وأيضا مع الذين يقعون تحت مسؤليتي. ثم أرسلوني إلى مسؤولية أخرى بعد ذلك بعدما قدمت الاستقالة. هذه المرة كنت مسؤولا عن جبهتين! وأرسلوا جيشي (في جبهة واحدة) إلى إقليم آخر بدون علمي بعدما أمروني بإرساله إلى جهة أخرى قبل ذلك ب 12 ساعة! وفي الجبهة الثانية أمروني بغزوة (بيدوا) وخططت لذلك ثم خرجوا جميعا عن التخطيط وتركوني في الوراء!

وطبعا قدمت الاستقالة بعد ذلك للمرة الثانية وحولني إلى المكاتب السياسية لأنهم لا يريدون رجالا يفكرون ويريدون القيام بما وكل إليهم في إدارة العمل العسكري. وقد كنت فهمت في تلك الفترة أن حقيقة المشكلة في الجيش ترجع إلى المشاكل السياسية وإلى فقدان الحركة للرؤية الواضحة والاستراتجية المناسبة.

وفي تلك الفترة ظهرت مخاوف جديدة من قبل الأنصار تجاه المهاجرين لأن النبهان كان يكون جيشا قويا من المهاجرين بغرض إثبات القدوة للأنصار وتوجيههم إلى الصواب. فقد جلسنا في شورى المهاجرين وقلنا أننا لا نريد منافسة الأنصار ولكننا نريد الدخول فيهم ثم توجيههم بأفعالنا. ولكن يبدو أن تطبيق هذا الكلام كان يميل إلى صورة التنافس (مع أن التمويل كله كان من قبل الأنصار)! وصرح لي الشيخ أبو الزبير بأن هذه المخاوف من المهاجرين موجودة عند الأنصار. ولكن النبهان لم يكن يشعر بذلك أو لم يكن يبالي كثيرا بهذا الأمر.

شورى أخرى مع الأنصار وذكر القاعدة في اليمن:

في هذه الفترة أقاموا جلسة شورى أخرى وفيها حصل أمور مهمة. الأمر الأول أنه جائت رسالة من الإخوة في اليمن مخاطبة حركة الشباب المجاهدين وكان من ضمن الكلام أن القادة في أفغانستان ينتظرون انضمام الحركة تحت القاعدة على أحر من جمر. ومن ثم ناقشنا خيار الانضمام إلى القاعدة وخيار إعلان دولة إسلامية وكان الرأي العام يميل إلى خيار الدولة (مع قبول المهاجرين مبدئا انشاء علاقة قوية مع القاعدة). ولكن الشيخ أبو الزبير أعلن أن الظروف ليست صالحة الآن بغير أن يبرر قوله بأدلة فلم نتحرك إلى أي من الجهتين! 

والأمر الثاني أنهم اختاروا القتال مع الشيخ شريف بطريقة الحرب النظامية رغم حثي لهم بأن يستمروا في حرب العصابات. 

والأمر الثالث أن أبا الزبير استقال من الإمارة لأجل الخلاف بينه وبين أبي منصور الصومالي ( مختار روبو ) ثم أجل الاستقالة لمدة 3 أشهر ثم فهمنا فيما بعد تلك المدة أن الاستقالة لم تكن إلا لإثبات قدميه فقط. والله المستعان.

الشورى الثالثة ومنصبي الجديد:

حصل في هذه الجلسة إقرار أبي الزبير كأمير للحركة وكذلك أقروا مواصلة القتال مع الشيخ شريف وكذلك القتال مع المشركين في (جلجدود) نظاميا (بدون أي تبريرات استراتجية). واستمروا في المماطلة في إعلان القاعدة أو الدولة. ومن ثم وضعنا بعض المعالم والأهداف في طريق الوصول إلى الدولة وعينوا لجنة لمتابعة التقدم والتطبيق. وجعلوا هذه اللجنة عبارة عن شورى مصغرة في وقت انتشار بقية أعضاء الشورى في الأقاليم. واختاروني أنا نائبا لأمير الشورى وأيضا اختاروني أميرا لهذه اللجنة المذكورة. وبعد تلك الجلسة بدأنا العمل بغير تجاوب حقيقي من جهة أبي الزبير.  

المواصلة في تفكيك المهاجرين:

كان النبهان يتعب جدا من الأعمال الثقيلة التي أحاطت به لأجل قيامه بأمور المهاجرين حيث كثر عدد المهاجرين جدا وكان يريد الرجوع إلى هدفه الأساسي وهو القيام بعمليات خارجية وإنشاء جبهة جديدة في كينيا. وكانت أعين الأنصار على إبعاده عن المهاجرين لأنه كان يسأل الأنصار مبالغ كبيرة وصلاحيات كثيرة.

وقد كانوا استقطبوا "أعسر يسر" في هذه الفترة وجعلوه أميرا للاعلام لأنه أصبح يشتكي من عدم حصوله على صلاحياته كنائب أمير المهاجرين. ولعل السر في ذلك أن النبهان ما كان يثق به جدا في الأيام الأخيرة وأيضا ما كان النبهان يهتم جدا بالأمور الداخلية بل كان يعطي الأولوية للسعي إلى إقامة العمل الخارجي حتى ولو سبب ذلك بعض التقلبات في النظام.

فجائت الفرصة السانحة لتغيير أمير المهاجرين ولتفكيكهم تماما فانتهزوها بكل مهارة. 

كنا في جلسة شورى المهاجرين واشتكى النبهان من قلة الميزانية رغم كثرة المهاجرين والأعمال. وهذا الثقل جاء لأن المهاجرين كثروا وتزوج الكثير منهم.  وكانت أعباء الجيش والمعسكر مدخولة في ميزانية المهاجرين كذلك. ويجدر بالذكر هنا أن جيش المهاجرين كان مسؤولا عن قطاع كبير من مقديشو آنذاك وكان خط دفاعهم من أحر الخطوط.

فقرر النبهان أنه سيسأل الأنصار عن المزيد في الميزانية فإذا رفضوا سيقوم بامر عظيم! (وكان يهدد احيانا بالذهاب إلى اليمن أو إلى كينيا)

فرجع النبهان وأعسر يسر من الجلسة مع أبي الزبير وأخبروا شورى المهاجرين بما وقع. والحاصل أنهم لم يزيدوا الميزانية بل بالعكس غيروا الأمير (بأعسر يسر) وأدخلوا جيش المهاجرين تحت جيش الأنصار! 

وللأسف, في بداية الأمر لم يحرك أحد من المهاجرين ساكنا! فالنبهان كان يريد الاستراحة وأيضا أعطوه المال والصلاحيات الكافية لبداية العمليات الخارجية ولإنشاء جبهة كينيا كما كان يطلب طوال السنتين وأعسر يسر كان يرى أنه لا بد من الدخول تحت نظام الأنصار لظروف اقتصادية ولأجل تقليل جو التنافس والآخرون كانوا جددا في الصومال ولم يجربوا نظام الأنصار. فبقيت وحيدا في رفضي لهذا القرار إلى أن صرح النبهان بأنه في الحقيقة يرى أن هذا القرار سيكون نهاية المهاجرين. وعند قوله هذا قمت إليه وقبلت رأسه وبهذا تحول رأي المهاجرين إلى الرفض التام للقرار (إلا عند أعسر يسر). ولكن النبهان قال أنه لا يستطيع غير إرسال وفد من المهاجرين إلى أبي الزبير للنقاش في هذا الموضوع واجتنب التدخل شخصيا.

فاختار النبهان خمسة أشخاص من المهاجرين وأنا كنت خامسهم. وللأسف لم يتكلم في هذه الجلسة غيري ودار النقاش بيني وبين أبي الزبير طويلا إلى أن تعبت وبدأ الآخرون في إظهار ملامح قبول القرار!

فهكذا ماتت القضية وهكذا بدأ تفكك نظام المهاجرين في حياة النبهان رحمه الله.

استشهاد النبهان والإدارة الثانية للمهاجرين:

يجدر بالذكر هنا أن قصة الاستشهاد محاطة باحتمالات ولكن القرائن أقل في قضيته من قضية غيره. والله أعلم.

والمهم هنا, أننا بعدما سمعنا باستشهاد النبهان رحمه الله تعالى فوجئ المهاجرون بذلك في نفس وقت أنهم بدأوا يفهمون أن الحال ليس على ما يرام تحت نظام الأنصار. فعندما رأيت الشكاوى كثيرة قمت بجمع المهاجرين ولححت على أعسر يسر أن يعقد جلسة الشورى فقبل ذلك مني وجلسنا للنقاش في بداية جديدة. وكان الناس في تلك الجلسة منقسمين إلى طائفتين: من يريد الاستمرار على النظام الحالي ومن يريد إعادة تنظيم المهاجرين والاستقلال من الأنصار كما كان من قبل (ولكن بدون التنافس). وكان أعسر يسر يرأس الطائفة الأولى وكنت أنا أشجع الطائفة الثانية. وعند التصويت فاز الطائفة الأولى على الثانية بتصويتين بين عدد يبلغ قريب من العشرين. وهكذا ماتت القضية مرة ثانية.

استقالتي من مناصب الأنصار:

بعد مماطلة الشيخ أبي الزبير في تعقيد الشورى رغم إلحاح لجنة الشورى عليه وبعدما رفض تغيير كثير من المشاكل (ومن ضمنها انفراده بجميع المعلومات وبجميع الاوامر ومعارضته لما اتفق عليه في جلسات الشورى) رأيت أن أستقيل من منصبي كأمير لجنة الشورى ولم أحضر لهم أي جلسة بعد ذلك.

ومن ضمن الأمور التي جعلتني آخذ هذا الموقف أنني رأيت ميلا شديدا إلى ما يسمى (المصلحة) دون الاهتمام أولا بما تقتضيه نصوص الشريعة. بل, كان سبيل أخذ القرارات أولا تحديد ما هي المصلحة في نظر أبي الزبير ثم البحث عن فتاوى لتبرير هذا الموقف. وكنت قد ناقشته كثيرا في مسائل شتى (ومع أن كل مسألة قد تكون في نفسها اجتهادية لكن جميعها تدل على تقديم المصلحة على النصوص) وكان يرد كثيرا بأن آراءي ستؤدي إلى الفوضى وبأن الشعب سيرفضها وغير ذلك من العبارات التي لا تغني عن النصوص شيئا.

ولعل آرائي قد تكون غريبة نوعا ما على كثير من الإخوة, (حتى أعضاء القاعدة) ولكن الأمر كما قلت سابقا: العبرة ليست في الرأي في المسألة نفسه وإنما العبرة في طريق الوصول إلى ذاك الرأي (أي: كانوا يضعون البحث عن الحكم الشرعي في نهاية قائمة الأولويات). وكان أبو الزبير لا يأتي ببحوث لتأييد آراءه وأيضا لم يكن يرد على البحوث التي قدمت له.

ومن ضمن المسائل الشرعية التي خالفته فيها: أخذ الضرائب (وبدون ضوابط), وعدم توزيع الغنائم (بغير رضا الغانمين ثم العبث بها وعدم الاستفادة منها), وترك القات (ولو بعد التمكين الكافي وبعد اعتقاده بحرمته), وتعذيب المسلم المتهم بعملية تجسسية (بدون برهان قاطع), وقتل المعاهدين (أو الذين تبرئوا من الردة وقبلت توبتهم عند الحركة ظاهرا) غدرا, وقتال الناس قبل تحديد حكمهم في الشرع (ثم الاضطراب في ذلك بعد القتال), وتفجيرات كبيرة في أماكن الشعب (مع إمكان تجنب ذلك) ثم عدم دفع الدية في أكثر الحالات, وإلى غير ذلك.

وطبعا رفضي لحضور الشورى مع منصبي كأمير اللجنة ونائب مجلس الشورى أثر في الشيخ أبي الزبير ولم يستدعني للحضور أمامه لفترة طويلة بعد ذلك ومنعني من الظهور اعلاميا بطريقة غير رسمية.

اعتزالي الكامل وتدهور أحوال المهاجرين:

بعدما رأيت أن إصلاح الأنصار غير ممكن وأن المهاجرين لن يفهموا القضية إلا بعد التجارب القاسية اعتزلت الناس وكنت في مكتب خفي تحت مسؤولية أعسر يسر الذي بدأ يفهم الحال قليلا. بل كان يسر إلي أنه أصبح مقتنعا بأن دخول المهاجرين تحت الأنصار كان قرارا خاطئا وبدأ يسعى (حسب ما قال لي) إلى تكوين إدارة جديدة مستقلة.

وفي خلال هذه الفترة بدأ خروج كثير من المهاجرين من الصومال (خاصة الذين من كينيا) وسجن البعض والأحوال أصحبت سيئة للغاية من ناحية حسن رعاية أمور المهاجرين مع كونهم العمود الفقري في الدفاعات التي طال وجودها في مقديشو (رغم إلحاحي على الشيخ أبي الزبير بأن يغير الاستراتجية إلى حرب العصابات).

هذه الأوضاع أدى إلى تأييد أعسر يسر فكرة استقلالية المهاجرين في الشورى التي أعقدها قبل تعقيد شورى الأنصار بأيام. ووعد المهاجرين بأنه سيدافع عن هذا الرأي أمام الأنصار. 

ولكن, الحقيقة المرة أنه لم يدافع بالقوة المطلوبة وأخذ الأنصار أيضا المعسكرات من المهاجرين وبعض المكاتب الأخرى, حيث أعلن أعسر يسر استقالته من إمارة المهاجرين.

ثم عقد شورى أخرى للمهاجرين بعد ذلك مباشرة وأخبرنا المستجدات. وكنت أحسب أن المهاجرين سيفهمون الحال جيدا بعد تدمير كيان المهاجرين بالكامل ولكني وجدت أن أعسر يسر أصبح (رغم تساهله) متطرفا أمام الرأي العام لأن أكثر المهاجرين انخرطوا انخراطا تاما مع القرار! 

وهذا ليس إلا رد فعل الإغراء الشديد من قبل الأنصار للقدماء من المهاجرين (بالوعود الكاذبة وبتوفير بعض التسهيلات مقدما) وأيضاَ بسبب جهل أكثر الجدد بأحوال الأنصار (لأن الذين دخلوا في مكاتب الأنصار في تلك الفترة قليلون).
  
رجوع أعسر يسر إلى الإمارة:

بعد إستقالة أعسر يسر أصبح يهتم بمكتبنا الخفي أكثر وكنا نرفع بعض التقارير والبحوث إلى أبي الزبير دون أي تجاوب مما أثر في أعسر يسر نفسه. ولكن طبيعة الأخ أنه يحب إخفاء المشاكل إلى درجة أنه قد يستخدم الحيل والمعاريض لكي لا يفهم أحد أن هناك مشكلة. وهذا بسبب مفهوم خاطء لمسألة السمع والطاعة وأيضا لمسألة الغيبة. وجزاه الله خيرا على ورعه ولكن الحلول لن تأتي بدون معرفة أسباب المشاكل.

وكان يستفتي أصحاب المكتب عن مسألة المهاجرين وإعادة إمارتهم وكنا جميعا نخبره بأن رجوعه مبكرا (لأن الأنصار لن يرضوا بغيره لأجل سياسته في إخفاء مساوئهم) سيضر بالمهاجرين لأنهم يحتاجون إلى تجارب أكثر لكي يفهموا حقيقة الحال وعندئذ سيبحثون عن حلولا لأنفسهم وهذا سيقنع الأنصار بأهمية إدارة قوية للمهاجرين لأنهم بغير إدارة قد يقومون بما يراه الأنصار نوعا من الفوضى. ولكن الأخ لم يستمع وبعد قليل سمعنا أنه رجع إلى إمارة المهاجرين مع وعود كاذبة جديدة.

رجوع فازول إلى الصومال مع المعلمين:

تزامن رجوع أعسر يسر إلى الإمارة مع رجوع فازول إلى الصومال مع من رافقه من المعلمين وطلبوا من حركة الشباب المجاهدين المساعدة في بعض المشاريع.

لا يخفى عليكم أن في منطقة (بونت لاند) تواجد للمجاهدين وكان فازول يبحث عن منطقة للقيام بالتدريبات ثم التخطيط للعمليات الخارجية ولإنشاء جبهات جديدة. وكان يطمع في منطقة (بونت لاند) ومنطقة (باي وبكول) حيث أن صاحبه من (بونت لاند) وأبا منصور الصومالي لهما نفوذ في تلك المناطق.  

ثم فازول أخبر أعسر يسر بهذا البرنامج وهو أخبر أبا الزبير تلقائيا بغير تفكير. ومن ثم أصبح فازول في القائمة السوداء في بداية الأمر وكان علاقته مع أبي منصور الصومالي وكلامه عن إرسال المهاجرين إلى منطقة يضعف فيها نفوذ أبي الزبير كان كل هذا يجعل فازولا في حيز الطوائف الممتنعة عند مفاتي الحركة.

ورغم هذه المخاوف قبل الأنصار بأن يقوم المعلمون (الذين رافقوا فازول) بدورة تخصصية في الأسلحة الخفيفة والتكتيكات المتقدمة. ولكن التنافس بين الحركة وبين الذين أعلنوا انتماءهم إلى القاعدة (وهم فازول والمعلمين وبعض المهاجرين الذين كانت لهم علاقة بالنبهان وفازول من قبل) أصبح تنافسا علانيا رهيبا. وكانت الدورة تتوقف ثم تستمر ثم تتوقف ثم تستمر وهكذا دواليك إلى أن سمعنا باستشهاد فازول في ظروف غامضة جدا.

استشهاد فازول والانسحاب من مقديشو:

الغريب في الأمر أن فازول كان كثير التوجس من حركة الشباب المجاهدين وأخبر الذين حوله أن نائب أبي الزبير أخبره أنه إذا سمعوا أن فازول اجتمع بأبي منصور الصومالي فسيسمعون خبره في ال(BBC). وكان يختفي من الحركة كثيرا (حتى ن أعسر يسر). 

وخرج من معسكر الدورة قبيل المغرب للذهاب إلى مدينة (أفجوي) لكنه أخبر الذي كان ينتظره في (أفجوي) أنه لن ينام هناك تلك الليلة. وبغير علم لأحد اتجه – كما قيل – إلى جهة مقديشو في طريق طويل يكثر فيه نفاط تفتيش حركة الشباب المجاهدين وكان من المفترض أن يأخذ أي لفة على اليسار قبل الخروج من هذه النقاط. ولم يكن يناسب درجة حذر فازول أن يستمر في الطريق بعد تلك النقاط لأجل الوصول إلى مقديشو في وقت أسرع. ولكن القصة المتبادلة أنه استمر في هذا الطريق إلى أن دخل في نقاط العدو. (والمسافة بين النقطة الأخيرة للحركة والنقطة الأولى للعدو 2 كيلومتر تقريبا فلا يتصور أن السائق سيغفل عن الطريق في تلك المسافة وفي تلك المنطقة وكان فازول وعبد الله ديري عارفين بالطريق). وقيل أن سبب تغيير الرحلة من أفجوي أن الحركة وعدته بتوفير مبلغ كبير من الأموال, وقيل أنه استشهد مع ذلك المبلغ, مما يدل على ذلك اللقاء. 

وبسبب هذه المعلومات بالإضافة إلى بعض الصور يظهر فازول فيها وفي عاتقيه ربطة غريبة, جائت تفسيرات شتى عن القضية. خاصة وفازول كان يشير في حياتي أن أبا طلحة السوداني كان في القائمة السوداء عند الحركة لأجل استقلاله دائما واستشهد أيضا في ظروف غامضة بين المجاهدين في الغابات قبل اقتراب العدو منهم بمدة. والذي كان معه عند الاستشهاد لم يكن يحمل أكبر من مسدس ومع ذلك رجع سالما. ورأيت الصورة بأم عيني والجرح كان في صميم قلبه رحمه الله تعالى. وأيضا من الأمور الغريبة أنهم لم يريدوا اخراج المعلومة عن استشهاده لمدة طويلة جدا لأن العدو لا يعرف حسب ما قالوا, ولم يريدوا اخراج فلم له وهو يشرح تاريخ الصومال ولو بعد اعلان البهان عن استشهاده. فالله أعلم.

والمهم أن هذا الخبر سبب بلبلة شديدة في صفوف المهاجرين الذين كانوا تابعين للأحداث والمنافسة المعلنة بين الجانبين.

وتزامن هذا الخبر مع الضعف الشديد في الدفاعات في مقديشو (ربما بسبب قلة المال والرجال التي جائت نتيجة معارك (نهاية المعتدين) في السنة السابقة ونتيجة إغلاق الميناء في تلك الفترة لأجل الرياح القوية) ولم يلبث الناس إلا قليلا قبل الانسحاب المفاجئ من مقديشو (حتى أعسر يسر حلف بأنه لم يكن يعرف التوقيت مع أنه كان ملما بأن شيئا مثل ذلك سيحصل). 

وهذا أيضا سبب بلبلة أخرى في صفوف المهاجرين الذين لم يفهموا القضية جيدا (مع أن فرصة خروجهم من الدفاعات كانت مفيدة جدا لأنهم لم يستطيعوا الاجتماع مع بعض لمناقشة الحال قبل ذلك لأجل شغل الدفاعات ولم يستطيعوا التهديد بالخروج من الدفاعات رغم الظروف السيئة لأن الأنصار سيسجنوهم على أساس تهمة تخذيل المجاهدين وفتح الثغرات للعدو).

محاولات الإصلاح من قبل أفراد المهاجرين:

ظن بعض المهاجرين أن هذا الانسحاب سيكون مثل ما وقع في المحاكم (سريع جدا وكبير جدا) فاجتمع الناس مع من يماثلهم في اللون والعرق واللغة وطائفة من العرب اجتمعت وذهبت إلى بيت للشيخ فؤاد واجتمعت بأبي منصور الصومالي وتذاكروا في الخيارات. ومن ضمن هذه الخيارات الذهاب إلى (باي وبكول) للتجمع ثم لتخطيط العمل كمثل مشروع فازول رحمه الله. وكمثل فازول رحمه الله أحد أفراد تلك المجموعة أخبر أعسر يسر بكل ما حصل وهو أخبر أبا الزبير.

ثم عندما فهم الناس أن الانسحاب ليس إلا من مقديشو واجتمع المهاجرون جميعا قرب (بيدوا) رفضت تلك المجموعة الرجوع إلى نظام المهاجرين إلا بشروط. من ضمن الشروط استقالة أعسر يسر واللقاء بأبي الزبير شخصيا لإخباره كل ما رأوا من الأخطاء.

هذه المطالب لم تجد قبول عند الأنصار وتعرض هؤلاء الإخوة للإقامة الجبرية في البيوت. قيل لهم أن لا خيار لهم إلا:

 1) السكوت والدخول في النظام 
2)  السجن
 3)  الخروج من الصومال!

وعندما اقترحوا المكث في الصومال في دار الإسلام كمهاجرين (كما هو مقرر شرعا ) قيل لهم أن هذا يخالف قرار حركة الشباب المجاهدين.

وقيل لهم أن تزكياتهم مجهولة وقيل أنهم في حكم الطائفة الممتنعة. وهذا مع وجود شيخ مغربي من ضمن المسجونين وقد ظهر في فلم بعث أسامة وكانت الحركة تقدمه كثيرا لأجل علمه الشرعي. 

(واستشهد هذا الشيخ أخيرا في ظروف غامضة, بعد تهديدات بقطع لسانه من رقم مجهول شاهدتها بأم عيني, لأن موقع القنابل كان على مسافة قريبة من المدينة ولكن القصف جاء بعد مغادرتهم المدينة بثلاث أو أربع ساعات والجثث كلها كانت خارج السيارة بغير ملامح للقصف على بعضها... إلا أن وجه الشيخ كان محروقا!) 

وتزامن هذه المحاولة مع محاولة أخرى من قبل بعض المهاجرين العقلاء الذين دخلوا في مكاتب الأنصار ومروا بتجارب كثيرة مع أنهم لم يكونوا من الذين يقال لهم قدماء المهاجرين (الذين انخرطوا في نظام الأنصار إلا ما رحم الله). وكان مطالب هؤلاء كمثل مطالب الأولين: يريدون تغيير الأمير, واستقلالية كيان المهاجرين, واللقاء بأبي الزبير شخصيا.

وفي هذه المرة قبل أبو الزبير اللقاء وقبل تغيير الأمير واستقلالية المهاجرين ظاهرا. وبدل أعسر يسر بأخ آخر كان مديرا لمعسكرات المهاجرين ثم أمير الشؤون الاجتماعية في مدينة واحدة مع قلة احتكاكه بمكاتب الأنصار. ولكنه كان متصفا بقلة العلم الشرعي وكثرة السمع والطاعة والتبجيل لأعسر يسر وأبي الزبير.

فوافق هؤلاء الإخوة على هذا القرار رغم أنه جاء فرضا وليس منهم (أي: هم لم يختاروا أميرهم وإنما اقترحوا بعض الأسماء مما يدل على عدم الاستقلالية التامة) ثم استمروا في تشكيل إدارة جديدة.

مسألة القاعدة والبيعة:

طلب الشيخ مني لقاء في هذه الفترة لأن المعلمين الذين جائوا مع فازول رحمه الله خرجوا من الصومال قبيل الإنسحاب وخرج على أثرهم عدد من المهاجرين لأجل ما رأوا من الأنصار. وغيرهم من المهاجرين بدأوا الخطوات المذكورة وكان أبو الزبير يريد معرفة من يقوم بإخراج المهاجرين ومن يقوم بتحريضهم ضد الأنصار وظن أنني قد خرجت من اعتزالي للسياسة لهذا الغرض. فطلبني لجلسة خاصة معه.

أما أنا فما كنت ملما بجميع الأحداث ولكنني فهمت الرأي العام عند المهاجرين وأسباب المشاكل الأصلية والحلول الجذرية فقدمت له كل ذلك وتفضلت ببعض النصائح حول الحركة ككل. ومن ضمن هذه النصائح أنني أخبرته بأن الجهاد في الصومال ليس جهادا عالميا وبأن الأنصار لا يريدون من يحمل فكر القاعدة ولا يهتمون بالمهاجرين ولا يريدون الاستفادة منهم لأجل العصبية. وطلبت منه أن يعزل نفسه ليقوم أبو منصور الصومالي بحشد الشعب وبإدخالهم في الصراع وبالاستفادة من المهاجرين. وغير ذلك من النصائح. وقلت له أنه يخاف مني ولذلك لم يوافق إدخالي في الأفلام لمدة طويلة (رغم حب الناس وكراهية الكفار لي) وقلت له أنه لا يهتم بأمنياتي رغم بحث الكفارعني (والحقيقة أنني كنت أحصل على مبلغ شهريا من المكتب الخفي في تلك الفترة للعمل وكنت أستخدمه لغرض التحفظ على أمني الخاص وأيضا كانت سيارة بحوزتي في تلك الفترة). ولكنه أكد لي أنه لا يخاف مني وبأنه سيقوم بالاهتمام بأمنياتي. 

ثم تركت له المجال ليتكلم وقال لي أن الجهاد في الصومال عالمي لأن حركة الشباب المجاهدين بايعوا القاعدة وبينهما مراسلات كثيرة. وقال أن بيعة القاعدة بنفس مثابة بيعة الخلافة. وقال لي أن الوحدة من الشريعة (مشيرا إلى كلامي حول استقلال المهاجرين وقيام أبي منصور بإدارة جنوب الصومال وقيام أبي الزبير بفتح جبهات جديدة في الشمال). وذكر لي أن الحركة لا تستطيع القيام بعمليات خارجية لأجل الامكانيات الضعيفة وغير ذلك.

فقلت له أنني سأجاوب عن هذه المسائل في رسالة مكتوبة نظرا إلى ضيق الوقت فقبل ذلك وطلب مني أيضا إرسال بعض البحوث التي قمت بإعدادها من قبل. فخرجت من عنده على هذا. 

وبعد هذا اللقاء بيوم أو يومين سمعت أن أبا الزبير طلب حضور الإخوة الذين قاموا بهذه الخطوات الإصلاحية وطلب أيضا حضور بعض القدماء كما يسمون (مع وجود أعسر يسر من ضمنهم) وأعلنوا اسم الأمير الجديد للمهاجرين وقرأوا عليهم بعض الرسائل من القاعدة وأعلنوا أنهم قد أصبحوا جزءا منها ثم طلب مفتي أبي الزبير بأن يبايع جميع الحاضرين أبا الزبير ففعلوا. وأخبرني أكثر هؤلاء الإخوة أنهم كرهوا تلك البيعة فيما بعد وشعروا بأن هذه الحفلة كانت فخا لهم. 

والحقيقة أنهم ما رفضوا الانضمام إلى القاعدة ولكنهم شعروا بأن العلاقة وهمية لأن الشيخ أيمن لم يتكلم بعد ولأننا سمعنا عن مثل هذه العلاقة أكثر من مرة وعادة تأتي الكلام عنها في غضون ظروف سياسية واضحة. وذلك لأن أبا منصور لم يكن مؤيدا لهذا القرار والظاهر أنه جاء لسحب الشرعية من أي حركة قد تقوم في المستقبل على أرض الصومال. والغريب في هذا القرار أنه يشير إلى تركيز عالمي واقتراب من المهاجرين, وهذا كله كان عكس ما كنا نرى في تلك المرحلة. 

وأضفت إلى هذه الأوراق الرسالة التي كتبتها إلى أبي الزبير في هذه المسائل (أرسلتها إليه خاصة, ولم أنشرها بين الإخوة في الصومال خوفا من تهمة إشعال الفتن).

مخالفة الوعد وسياسة الاستقصاء في حقي:

لم يقلق الإخوة من هذه الأحداث واختاروا المواصلة مع الإدارة الجديدة ما دام أن أبا الزبير وعدهم بأن نظام المهاجرين سيكون مستقلا وبأن جميع المهاجرين سيكونون تابعا لهذا النظام دون نظام الأنصار وبأن صلاحيات نظام المهاجرين ستكون صلاحيات تامة.

ولكن بعد الشروع في جلسات الشورى (وكنت أشغل منصب أمير الشورى لتلك الأيام المعدودة) وجدنا أن الأمير الجديد لا يرى أهمية التسليم لقرارات الشورى (حتى لو كان القرار في أمر مصيري ولو كان القرار يمثل الغالبية الساحقة) ومن ضمن هذه القرارات الهدف الأساسي للإدارة الجديدة (أي: الاستقلال لأجل القيام بالتدريب ثم التخطيط للعمل الخارجي). ثم بعد النقاشات الطويلة اتفقنا على بعض البنود ورفعنا مطالب الإدارة الجديدة إلى أبي الزبير حيث رفض جميع ذلك.

فرفض أن يعطي الإدارة الجديدة بعض الكوادر من المهاجرين الذين كانوا في مكاتب مع الأنصار, ورفض أن يعطي المهاجرين بعض المكاتب والصلاحيات كمثل: مكتب الأمن, مكتب البحوث والتطوير, ومكتب الطرق والاستقبال (أي: إدخال وإخراج المهاجرين) ولم يعطنا ميزانية للقيام بإنشاء معسكر جديد.

ولم يزد في ميزانية العوائل شيئا وفي نفس الوقت رفض أي محاولة من قبل المهاجرين للحصول على علاقة للتمويل من الخارج ورفض أي محاولة من قبلهم للقيام بعمليات الغنائم. 

ففهمنا مباشرة أن هذه الوعود كانت كاذبة وأن أبا الزبير لا يريد أن تقوم للمهاجرين قائمة. فقمنا بالاستقالة من هذه الإدارة جميعنا إلا الأمير الجديد مع بعض الذين لم يكونوا من الذين قاموا بخطوات الاصلاح الأولية.

وتزامن هذه الجلسات مع الخبر بأن أبا الزبير قد حل مكتبنا الخفي وأرسل خبرا إلى من يرافقني بأنني مع المهاجرين من الآن كجندي عادي. وسحبوا مني المال الذي كنت استخدم لحماية نفسي وللحصول على خدمات الانترنت وللتنقل والاتصالات. ثم بعد فترة سحبوا مني السيارة كذلك.

حالي وحال المهاجرين بعد الفشل:

فهمت أن أفعال أبي الزبير في حقي كانت على سبيل العقوبة لبضعة أمور:

 1) علاقتي بأبي منصور الصومالي وباقتراحي أن يقود
 2) الورقة التي أرسلت له في مسألة البيعة والقاعدة
 3) الصوتيات التي سجلتها ورفعتها عن غير طريق الحركة مع أنها محاضرة عامة وليست  باسم الحركة
 4) وربما لظنه بأنني حرضت المهاجرين ضد الأنصار (مع أني كنت معتزلا للسياسة تماما ولم أعارض إمارته أبدا... وإنما كان العمل الإصلاحي في المراحل السابقة دائما في حدود النظام بالنصيحة والشورى)

وأراد بهذه الأفعال أن يثبت لي بأنني لست إلا رجلا عاديا, ولا ينبغي كثير الاهتمام بحقي, وأنا قبلت هذا كله فبدأت أمشي في الأسواق بغير حارس وبغير اجرائات أمنية لأثبت أنني حقا لست إلا رجلا عاديا. فهذا سبب ضجة كبيرة عند الأنصار وجائوني فورا لتذكيري بأمنياتي التي كانوا غافلين عنها طول هذا الزمن والتي قاموا بتدميرها بعد أن سحبوا مني الامكانيات التي كنت استخدم للأمنيات حسب ما اتفقت عليه مع أمير مكتبي.

وبقية المهاجرين في نفس الحيرة ويصرحون لي بأنهم يريدون الخروج وبأن عقولهم أصبحت خفيفة ومائلة إلى الجنون. فهناك في صفوفنا خبراء في علوم شتى كمثل الدكتور الذي منعوه من العمل في الصومال كطبيب والذي لا يستطيع الرجوع إلى بلده والذي جاء مع زوجة و4 أولاد (مع أن دخله الشهري من الحركة كمثل أي جندي آخر متزوج بطفل واحد).

ويجدر بالذكر هنا أن 4 من المهاجرين سجنوا قريبا (ومن ضمنهم من سجن في المرة الأولى وأيضا من ضمنهم رجل آخر ظهر في أفلام الحركة وكانت له مجموعة خاصة لإرهاب العدو في الدفاعات) لأجل تهمة الردة حسب ما قيل لأنه قيل أنهم كانوا يتجهون إلى جهة المرتدين في سيارة خاصة! ونخشى أن هذا أيضا بسبب علاقة هؤلاء بأبي منصور الصومالي. وقد فسر بعض الإخوة الذهاب إلى تلك الجهة بتفسيرات عادية وليس هناك تلازم بين اتجاه سيرهم والردة.

أزمة السجن وإخراج الفلم:

يجدر بالذكر هنا بأنني دائما حريص على عدم إثارة الفتنة مهما يقال عني لأنني دائما أحاول توجيه مشاعر الناس إلى جهة الاصلاح عن طريق الشورى والنصيحة دون الفوضى والعمل الفردي. ثم إذا فشل هذا الطريق كنت أحاول اجتناب الناس لئلا يقال عني أنني أشيع الفتن ولئلا أكون محاطا بمشاكل التي لا سبيل لي إلى اصلاحها. 

وإذا فهم هذا, فلم يكن قراري بأن أمشي في الأسواق إلا لحرصي على عدم التورط بمثل هذه التهم لأنني متأكد أن احتكاكي بالمهاجرين سيؤدي حتما إلى الكلام في الوضع ثم إلى الاتهام بإشعال الفتن. وأيضا, ما دام أنهم سحبوا مني العمل والامكانيات وحطموا أمل المهاجرين بالتغيير...رأيت مجرد الجلوس في البيت مما قد يسبب لي مرضا نفسيا. فإننا لم نخرج من بيوتنا إلا لأجل تلقين الأعداء دروسا فلا نرض بالجلوس في البيت بغير عمل.  

وقد كنت أذكر الأشهر الطويلة في غابات رأس كيامبوني عندما رفض حسن تركي للمهاجرين أي دور(فلا سمح لهم بالقتال ولا سمح لهم بالخروج من الغابة). وكنا في تلك الظروف, بعد فشل محاولات التغيير, نحاول غض الطرف عن ذلك والاشتغال بالطبخ والمزاح والأناشيد حتى نرفع معنوياتنا. فكنت أريد امتثال تلك الخطوات مع العلم بأن الفرق بين تلك الأزمان وبين هذه الحالة واضحة, ولكن المشاعر كانت متقاربة.   

والمهم أنني خرجت من بيتي وذكرت للوالي وأمير الحسبة أنني لا أريد الفوضى لكني رجل مسلم ولي حرياتي كمثل أي مسلم آخر. فما الفائدة من قولكم "الدم الدم, والهدم الهدم" لو كنتم تمنعوني مما لا تمنعون الأنصار منه. وذكرت لهم أن ادخالي في البيت بقوة بغير سبب عين السجن. وقلت لهم أن نصيحتهم مقبولة ولكن ليس من صلاحياتهم الحفظ على أمني بقوة (خاصة والحقيقة أن الحفاظ عليه غير مراد من قبل الحركة) وأرشدتهم إلى بعض الحقائق التي لاحظت من تصرفات الأعداء في الصومال. قلت لهم أن العدو لا يريد قصف أمثالي داخل المدن (رغم ما يفعلونه في غير الصومال) ولا يريد خسائر كثيرة من الشعب (رغم ما يفعولنه في غير الصومال) لأجل السياسة السائدة في الصومال. وأشرت إلى العمليات ضد الإخوة مثل النبهان وبلال البرجاوي رحمهما الله.

فتركني الوالي وأمير الحسبة لأجل ظروفي الخاصة ولكنهم نصحوني دائما بالحذر, خاصة من الصوماليين ولو كانوا من الإخوة. (وقد كانوا حبسوا بعض الأقربين إلي في ذاك الوقت بتهمة التجسس بغير بينة).

ثم بعد ثلاثة أشهر من الصلاة في المساجد والاشتغال بمشاريع تجارية جاء أول وفد من قبل الحركة وقالوا أنهم لا يقبلون هذا الحال. وكان من الطرائف أنهم قالوا أنني رجل مهم وبأن العدو سيقصفني فورا إذا علموا مكاني. فسألتهم إذا كان ما تقولون حقيقة فلماذا انتظرتم طول هذه المدة؟ كيف أثق بكم وأصدق كلامكم بعد مثل هذه التصرفات؟ فسكتوا ودخلوا في قضية أخرى. فقلت لهم أني أحشى على نفسي الجنون إن جلست في البيت أو رجعت إلى مشاكل المهاجرين ومشاكل الحركة. فبعد نقاش قليل في شرعية هذا الأمر خرجوا من عندي. ولكني شعرت منهم أنهم أرادوا فقط معرفة استمرار عضويتي في حركة الشباب (أو القاعدة حسب ما أعلنوا في ذاك الوقت) أو رجائي لإنشاء حركة جديدة. وجائت اتصالات أخرى بهذا المعنى من غيرهم في تلك الفترة. وكنت دائما أقول لهم أن أبا الزبير هو أمير الأرض ولكن هذا لا يعني أنه يجب على كل أحد الانضمام إلى حركة معينة وهذا لا يعني أن لأمير الأرض صلاحيات تفوق صلاحيات الخليفة. وإنما جاء تفسيرهم بأنني أريد إنشاء حركة جديدة لأننا كنت أحاول في تلك الفترة الاتصال بالقاعدة في جزيرة العرب وقادة القاعدة حول قضية المهاجرين. وأيضا رأوا قربي من أبي منصور وغيره من الأمراء المعارضين لسياسات أبي الزبير.

ولكني أعلن مرة أخرى هنا في هذه الرسالة بأنني لا أريد شبرا من أرض الصومال ولا أنصح أحدا بالخروج على الأمير أبي الزبير. وإنما كنا ننصحه بطريق الشورى بالتنازل عن المنصب وعندما رفض, سكتنا. ولكن لا نعطيه صلاحيات فوق ما أعطاه الله. ولا نوجب على أحد الانضمام إلى حركة الشباب المجاهدين أو القاعدة ومن أراد ترك العمل معهم فهو حر. (وهذا عين ما يحصل مع كثير من الأنصار الذين يرجعون إلى حياتهم العادية ولا يعاقبون على ذلك بشيء اللهم إلا بعض المساكين الذين يسجنون ويضربون بالتهم ثم يطلق صراحهم ويقال لهم أنتم الطلقاء لم تثبت عليكم بينة.) ولم أكن هادفا إلى إنشاء حركة جديدة مع وجود حركة الشباب (خاصة وأنا أعرف أنهم يأخذون بفتوى الشيخ عبد القادر عبد العزيز في قتال الحركات).


ثم بعد هذا اللقاء استشهد الشيخ المغربي المذكور آنفا واستشهد معه أبو أحد البرطاني في ظروف غامضة بعد تهديدات. فرجع الوفد مرة أخرى وقالوا أنهم جهزوا سيارة لي ويريدون حملي إلى مدينة أفجوي. فرفضت ذلك تماما لأن جميع الإخوة يستشهدون في سيارات في ذاك الطريق. فكيف يريدون اخراجي إلى منطقة فاضية خطيرة بعد استشهاد الإخوة بأيام يسيرة؟! فقلت لهم أنني سأنهي بعض الأمور ثم سأخرج بطريقتي الخاصة بعد ما يقارب أسبوعا. واتفقت معهم على هذا كما اتفقت مع الوالي وأمير الحسبة على مثل ذلك. وكنت أريد الذهاب إلى الجبهة لأن الأحباش دخلوا مدينة بيدوا وكنت محدثا نفسي بالشهادة (وقد قام الإخوة بكمين كبير قريبا من بردالي في تلك الأيام وذكرت أيام الجبهات).

وبعد هذا الاتفاق...هذا الذي حصل بالفعل. جهزت أموري في مدة قريبة من أسبوع وخرجت ليلا سيرا على الأقدام للذهاب إلى الجبهة بدون اخبار الناس لئلا أتعرض لقصف جوي. ولكن عرف رجال الحسبة بتنقلات بعد مشاهدة بعض الشعب سيري حيث ضعت الطريق قليلا من أجل الظلام. فجاء أمير الحسبة مع بعض الإخوة وطلبوا مني الرجوع. وسألتهم ما المشكلة؟ فقالوا أنت وحيدا ولم تخبر أحدا. فقلت لهم أنتم نصحتموني بهذا (بل حبستم أقرب الناس إلي بالشك) ولم يكن دأبي أبدا اخبار الناس بتنقلاتي. وفوق ذلك قبلت منهم مرافقين ولكنهم لم يرضوا بهذا. قالوا أين تتجه؟ فقلت الجبهة. قالوا أي جبهة؟ وبأي سيارة وبأي طريق؟ فقلت لهم هذا ليس من أسلوب الأمنيات أن أخبر جميع الناس هذه المعلومات خاصة وأنتم ستبلغون أمراءكم بالهاتف والطائرة فوق رؤوسنا! فقبلوا, ثم بعد ساعة رفضوا مرة أخرى. فقبلت أن استخدم سيارتهم لأهدء أعصابهم ولكنهم قالوا أن السيارة ليست جاهزة. وأصروا على معرفة من أرسل السيارة الأولى وأي جبهة أريد. فعرفت أن القضية ليست الحفاظ علي وإنما هي قضية سياسية. فقبلت نصيحة الإخوة ورجعت إلى المدينة لإعادة تخطيط السفر من جديد. ولكن عند الرجوع إلى المدينة أخبروني بأن الأمراء أمروا بسجني!

هذا الذي أيقنني بأن القضية أصبحت خطيرة. خاصة بعد ما سمعت من أمراء كبار بأن الحركة قد تقتلني أو تسجني في مكان سري. وفعلا كان خروجي من المدينة لأجل هذا الاحتمال لأنني كنت أحسب أنهم يغضبون فقط من كثرة تحركاتي. فكنت أحسب أنهم سيفرحون بأنني قبلت أوامرهم: خرجت من المدينة, وذهبت إلى الجبهة, وحفظت على أمنياتي. ولكنهم لم يرضوا. ثم قبلت أوامرهم في إعادة تخطيط السفر وغير ذلك. ولكنهم لم يرضوا.

فجاء في خاطري أنهم يطلبون سببا لإزالة أي احتمال لقيام حركة جديدة لو اقتحم العدو وأصبح الأرض لهم ورجع الجهاد إلى المرحلة الأولى من حرب العصابات. وبدأت أذكر ما قيل لي عن تهديداتهم لبعض الإخوة الذين يحملون الفكر العالمي ويخالفنهم في الرأي. وبدأت أذكر ما قيل عن الظروف الغامضة حول استشهاد أبي طلحة السوداني وفازول. وبدأت أتسائل في قضية استشهاد النبهان وأبي حفص وأبي إبراهيم وأبي أحد. وبدأت أنظر إلى من سجن من حولي من المهاجرين بغير بينة (بل رمي عليهم بالرصاص وكادوا يقتلون). وذكرت ما قيل لي من قبل أن أحد الأمراء طرح كفكرة احتمال قتل بعض المعارضين من الحركة للمصلحة (وهو قد يكون نفس الذي أمر بسجني)! فخفت على نفسي وخفت على مستقبل الجهاد.

وبعد عدم الاستجابة من القاعدة وعدم امكانية الاتصال بالقادة منهم, رأيت أنه لا حل لي غير التوجه إلى الانترنت فرفعت الفلم الذي شاهده العالم. ولكني مع ذلك لم أفسر جميع الخلافات لأجل توتر الأوضاح ورجاء إيجاد الحلول.

ورغم الغضب من بعض الناس, خاصة من الذين لا يعرفون حقيقة ما يدور في الطبقات العليا في الحركة, كان الجواب من كثير من الأمراء الكبار أنهم فهموا خوفي ويريدون إيجاد وعود الضمان بأني لن أتعرض لشيء من السجن أو القتل. 

فالحقيقة أنني لم أبدأ هذا الصراع بين رجال القاعدة وحركة الشباب المجاهدين ولم أكن راضيا عنه. ولم أفهمه حق الفهم إلا بعد تحطيم آمال المهاجرين لإصلاح حالهم وحال الأنصار في الصومال. ولم أكن من المهاجرين الذين خرجوا أو سجنوا أو رفضوا الأوامر طوال وجودي كعضو في حركة الشباب المجاهدين. وإنما كنت أحاول إيجاد الحلول بالشورى ظنا أن الأمراء يرون أهميتها. وعندما رأيت الاستخفاف بها, سكت عنهم وانشغلت بالمكتب الذي وضعوني فيه. وحتى بعد سحب العمل والامكانيات مني حاولت اجتناب الفتن وانشغلت بأمور دنياي الخاصة ولم أتكلم في السياسة مع أحد. ولكن كل هذا لم يرضهم لأنهم لا يريدون مجرد المخالفة في الرأي لأن هذا يدل على أنهم قد يكونوا في خطأ. وهذا خطير لأن الآخرين قد يفهمون هذا الخطأ وقد يقومون بأعمال إصلاحية جديدة. وهذا عين ما كان يفعل حجاج بن يوسف. كان يبحث عن كل من لا يرض عن الحاكم ولو كان ساكتا مختفيا في البلاد ثم يمتحنه ويقتله. والله المستعان. 

الختام:

نسأل الله الذي يجيب المضطر إذا دعاه أن يكشف عنا هذه الغمة  ثم نسألكم أنتم أن تتقوا الله في إخوانكم المستضعفين من المهاجرين في الصومال. فنحن مسؤولية في أعناقكم وأحسب أن أقدامكم لن تزول عن موضعها يوم القيامة حتى تسألون عما فعلتم في حقنا اليوم.

ونضيف أخيرا أننا لسنا ندعي الكمال والبرائة من الأخطاء, بل قد يطول ذكر جميع ما قام المهاجرون به من أعمال غير لائقة بهم, لكن عند الحكم على الرجال ليست العبرة في عدم الذنوب ولكنها في القبول و التراجع عن الاخطاء بعد التذكير.

ولسنا أيضا نجحد فضل الأنصار علينا. فقد قاموا بأعمال عظيمة وآووا المهاجرين ونصروهم في غير موضع. وفي كثير من الأحيان يشعر المهاجر في الصومال أنه ملك يحمل على المناكب. ولكن الراحة الدنوية ليست هي ما نطلب ونسعى إليه. بل, ما جاء أحد منا إلى الصومال وهو يفقد لقمة العيش ولم يكن يرجو عشر ذلك بعد عزيمته على الدخول في الصومال. ولم يأت أحد منا إلى هذه الأرض طالبا المناصب والزواج. بل, جاء الجميع بنية الاستشهاد في عمليات رائعة كمثل عمليات القاعدة المباركة. وكثير من المهاجرين تركوا مستقبلا براقا في مجالاتهم المهنية لأجل بذل اقصى جهودهم في سبيل الله ولتحقيق آمالهم في إفادة إخوانهم المجاهدين. وللأسف, لم نجد الفرص التي كنا نتوقعها للمشاركة في الجهاد العالمي أو حتى للمشاركة في تطوير الجهاد في الصومال. والله المستعان وعليه التكلان.

والقضية الآن أمانة في أيديكم.

هذا, وصلى اللهم وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين,
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين,

العبد الفقير,
أبو منصور الأمريكي,
الصومال,
الربيع الثاني 1433


بسم الله الرحمن الرحيم

ضوابط الوحدة


أولا: لا بد من التفريق بين المسميات والحقائق, فإن الحيوان البحري لا يكون حراما بإطلاق اسم الخنزير أو الأسد أو الكلب عليه كما أن الخمر والزنا والربا لا تكون حلالا بإزالة هذه الأسماء عنها.

ثانيا: الواجبات الشرعية جائت وفقا لمقاصد شرعية وليست الطاعات والعبادات في الدين – وإن كانت تعبدية – مجرد أعمال تؤدي إلى ما يخالف أصول الشرع. فكما أنه لا ينبغي للأمير أن ينشغل بالشورى لغرض التفريق بين الناس فكذلك لا ينبغي تمسكه بدعوى الوحدة لأجل السد عنها.

ثالثا: الوحدة الحقيقية بين المسلمين هي الخلافة الإسلامية والخلافة هي مبنية على عنصرين: 1) عنصر عالمي 2) وعنصر شرعي. فلا بد من إقامة كل الشريعة المحمدية في كل الأرض. فإذا كانت الجماعة تقف موقف السد أمام عالمية الجهاد وإذا كانت تسعى لتقييد الناس بأرض معينة فهي ليست جزءا من مشروع إقامة الخلافة وهي ليست سائعة في طريق الوحدة الحقيقية.

رابعا: الوحدة لا شك مطلوبة في الدين ولكن إذا كانت هذه "الوحدة" لا تؤدي إلى المقاصد الشرعية التي جعلت مطلوبة لأجلها...فهي تدور مع علتها حيث دارت... إن عدمت عدمت وإن وجدت وجدت. 

خامسا: حتى في حالة الوحدة الحقيقية وفي حالة اجتماع المسلمين تحت إمارة الخليفة الشرعي... حتى في تلك الحالة لا يجوز منع الخليفة رعيته من الواجبات الشرعية... خاصة ما كان فرضا على الأعيان منها. فمثلا, عقد الهدنة مع الكفار على ترك بعض الأراضي المسلمة في أيديهم ليس عقدا شرعيا يلزم المسلمين بالانقياد إليه, حتى ولو صدر من الخليفة. 

سادسا: حركة الشباب المجاهدين ليست بمثابة الخلافة الإسلامية باعترافها قبل اعتراف غيرها. فإن الخلافة لا تكون مجرد حركة أبدا... والرجل لا يكون خليفة بمجرد الدعوى أبدا...فكيف بأمير حركة لا يدعي الخلافة!؟ 

ويجدر بالذكر أن تنظيم قاعدة الجهاد أيضا لا يعتبر بمثابة الخلافة... فإن الشيخ أسامة لم يكن الخليفة باعتراف نفسه... وإلا فلمذا الخطابات عن انتظار الخلافة؟ ولمذا البيعة لملا محمد عمر؟ (فالملا – كما لا يخفى –  لا يدعي الخلافة أيضا) ولمذا التخلي عن اسم القاعدة قبل تكوين الدولة الإسلامية في العراق؟ وهل يجوز لأصحاب الخلافة أن يدمروا الخلافة بأنفسهم في سبيل الرجوع إلى الوراء (وهل كانوا بهذا الفعل بغاة)؟ ولمذا خطابات الدولة الإسلامية في العراق أيضا حول انتظار الخلافة؟ وهل كان أبو عمر البغدادي منافسا لملا محمد عمر على الخلافة فيستحق إذن القتل؟ 

لا ينبغي مثل هذا التلاعب بعقول الناس.

سابعا: ليس واجبا على أحد الالتحاق بتنظيم القاعدة ولم يدع هذا أحد...لا الشيخ أسامة (رحمه الله) ولا الشيخ أيمن الظواهري من بعده ولا غيرهما. 

ولكن على أساس ما يقوله البعض عن وجوب الوحدة...هل كانت حركة الشباب المجاهدين آثمة في التخلف عن الانضمام إلى القاعدة هذه السنوات الطويلة؟ 

(ويجدر بنا هنا أن نسأل: لمذا الشحناء – دون الوحدة –  بين حركة الشباب وبين عناصر القاعدة المبعوثين إلى الصومال – كأبي إبراهيم وأبي عبد الله والنبهاني وفازول – منذ سنين؟ ولمذا تأخرت دعوى انضمام حركة الشباب المجاهدين إلى القاعدة... إلى وقت تفرغ الساحة من جميع هؤلاء؟)

بل, الوحدة الواجبة هي وحدة الخلافة الإسلامية وكل ما سواها من أنواع الوحدة قد يكون مطلوبا (إما استحبابا أو وجوبا) بقدر ما يؤدي إلى هذه الوحدة الحقيقية...أي: الخلافة. وأما إن كانت "الوحدة" تصد عن الخلافة أو إذا كانت لا تقربها إلينا بخطوات ملموسة أو إذا كانت تبطئ إقامتها... فهذه "الوحدة" تكون حراما أو مكروها بقدر ما فيها من التخلف والصد عن الخلافة.

ثامنا: لا بأس من تعدد الحركات والجماعات ما دام هذا التعدد يؤدي إلى الخير للإسلام دون ما يخالف المقاصد الشرعية. فإذا كانت مجالات الجماعات مختلفة كمثل مجال طلب العلم ومجال الجهاد... فلا بأس بذلك. وأما إذا كانت المجال واحد ولكن المناطق مختلفة أو التركيز مختلف, فأيضا لا بأس بذلك ما دام هذا التعدد لا يؤدي إلى أضرار التنازع. 

فلا بأس بحركة تعمل في شمال الصومال لأهداف أمنية وحركة أخرى تعمل في الجنوب لأهداف علانية (ما دامت الحدود وضوابط التعامل بينهما واضحة وسليمة) لأن حدود سيكس بيكو ليست معتبرة. ولا يخفى أن منع مثل هذا التعدد سيؤدي منطقيا إلى منع وجود دولة إسلامية في الصومال مع وجود أخرى في العراق (ولا قائل بذلك من قبل أعضاء حركة الشباب المجاهدين). 

وأيضا لا بأس بوجود جماعة تعمل لضرب العدو البعيد في نفس الأرض التي تتواجد فيها حركة أخرى مؤسسة لضرب العدو القريب (ما دامت ضوابط التعامل بينهما واضحة ومؤدية إلى ما يقرب الخلافة الإسلامية).

فإن قيل أن الأولى بالنسبة لهذه الجماعات أن يوحدوا هذه الجهود تحت إمارة واحدة... فقد يكون هذا الطلب مطلوبا...وقد لا يكون. فإن كان الأمير المقترح لهذا المشروع يريد مجرد التنسيق بين هذه الأعمال مع تفويض الناس وتوفير الصلاحيات اللازمة للقيام بما هو أصلح للدين... فهذا طبعا أفضل من وجود هذه الجهود بغير ربط وتنسيق. أما لو كان الأمير يريد السيطرة على تلك الجهود بما يؤدي إلى إيقافها لغرض التركيز على أهداف أقل فائدة منها (أو لأجل تثبيت سلطته فقط)...فكيف تكون مثل هذه "الوحدة" أولى من عدمها؟ 

فالمطالبون بالوحدة ينشدون أهمية "إيجاد التنسيق" و"تكثير الفوائد" و"تقليل التنازع" و"تقليل الفوضى." فكيف ب"وحدة" تؤدي إلى إيقاف تلك الجهود التي كانت بحاجة إلى التنسيق (مما يؤدي إلى تقليل الفوائد)؟ وكيف ب"وحدة" تؤدي إلى تكثير التنازع وإنشاء الفوضى؟

بل, الصبر على مثل هذه الأمور لا تكون إلا في حق الخليفة الذي لا يجوز الخروج عليه إلا إذا ارتكب كفرا بواحا لنا عليه من الله برهان. ولكن, حتى في تلك الحالة يجوز في حق رعيته تنفيذ الواجبات بدون إذنه إن حاول الصد عن ذلك. فكيف بمجرد أمير حركة؟!

تاسعا: إليك بعض أقوال "علماء الجهاد" (وإن لم تكن حجة في نفسها إذا خالفت صريح الشريعة) في التفريق بين بيعة أمير الجهاد وبيعة الخليفة.

يقول محمد عبد السلام فرج (رحمه الله) في كتابه المشهور(الفريضة الغائبة):
(البيعة على القتال والموت 
أخرج البخاري عن سلمة رضي الله عنه قال: (بايعت النبي ثم عدلت إلى ظل شجرة فلما خَفَّ الناس قال: يا ابن الأكوع ألا تبايع؟ فقلت: بايعت يا رسول الله، قال أيضاً: فبايعته الثانية فقلت له يا أبا سلمة على أي شيء كنتم يومئذ تبايعون؟ قال: على الموت) .. أخرجه أيضاً مسلم والترمذي .. وأخرج البخاري أيضاً عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: ( لما كان زمن الحرة أتاه آت فقال: إن ابن حنظلة يبايع الناس على الموت فقال: لا أبايع على هذا أحداً بعد رسول الله) أخرجه أيضاً مسلم والبيهقي. والرواية السابقة تُفيد جواز البيعة على الموت ولسنا بصدد دراسة موقف عبد الله بن زيد وهناك فارق بين بيعة الموت والبيعة المطلقة للخليفة فقط، وليس معنى ذلك أن أمير الجهاد لا يطاع فقد قال رسول الله : ( من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعصي الأمير فقد عصاني ) . متفق عليه. وعن ابن عباس في قوله تعالى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم) .. النساء: 59 نزلت في عبد الله بن حذافة بعثه رسول الله في سرية ( أي كان أمير جهاد ))
فهذا الكلام يفيد أن بيعة أمير الجهاد غير بيعة الخليفة وإن كانت تلزم المبايع بنوع من الطاعة. 
يؤكد هذا الفهم الفتوى التالية الصادرة من منبر التوحيد والجهاد:
(الحمد لله وحده والصلاة والسلام علي من لا نبي بعده و بعد :
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
سؤالي عن نصب الامير و في بيعته او يجب علينا بيعة من في ساحة القتال؟
و ليس لنا امكان خروج النفير في الوقت الحاضر؟
و جزاكم الله خيرا و زادكم الله علما.

السائل: kazakhi

المجيب: اللجنة الشرعية في المنبر

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على نبيه الكريم
وعلى آله وصحبه أجمعين

وبعد :

فإن بيعة الأمراء في ساحة القتال غير متعينة إلا على من كان معهم في ميدان القتال أو مساهما فيه لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم » .

و عن أبي هريرة ، و عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمّروا أحدهم »

الحديث رواه أبو داود وأخرجه البزار من حديث عمر بن الخطاب بسند صحيح ،. و الطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد صحيح ، وقد سكت أبو داود والمنذري عن حديث أبي سعيد وأبي هريرة ، و رجالهما رجال الصحيح إلا علي بن بحر وهو ثقة . قال في الخلاصة : ( وثقه ابن معين . ولم يذكر فيه قادحًا ).

أما البيعة المتعينة على كل أحد فهي بيعة الإمام أي الخليفة لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية » رواه مسلم (في كتاب : الإمارة . باب : وحوب الوفاء ببيعة الخلفاء ).

وهذه البيعة يختلف فيها أهل الحل والعقد عن عموم الناس ..

قال أبو العبَّاس الأنصاري القرطبي في كتاب : "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" :

(غير أنّه من كان مِن أهل الحل والعقد والشهرة ، فبيعته بالقول والمباشرة باليد ؛ إن كان حاضرًا ، أو بالقول والإشهاد عليه إن كان غائبًا ، ويكفي من لا يُعْرَف : أن يعتقد دخوله تحت طاعة الإمام ، ويسمع ويطيع له في السرّ والجهر ، ولا يعتقد خلافًا لذلك ، فإن أضمره فمات مات ميتة جاهلية ؛ لأنه لم يجعل في عنقه بيعة ).

لكن البيعة الشرعية لا تكون إلا للإمام المسلم الحاكم بما أنزل الله الذي بايعه أهل الحل والعقد على الكتاب والسنة .

أما من بايع الحكام المرتدين الحاكمين بغير ما أنزل الله والموالين لأعداء الله ومات على ذلك فقد مات وليس في عنقه بيعة لأنه بايع من لا يعتبر من الناحية الشرعية فكانت بيعته كالعدم ..والمعدوم شرعا كالمعدوم حسا .

والله أعلم

والحمد لله رب العالمين .

أجابه، عضو اللجنة الشرعية :
الشيخ أبو المنذر الشنقيطي)
ويؤكد أبو مصعب السوري (فك الله أسره) الفرق بين البيعتين في (دعوة المقاومة) ويشير إلى نويعة الطاعة اللازمة في مثل هذه البيعات المقيدة, ص 1163:
((14) - البيعة في الحرب:   

قال الشيخ عبد الله رحمه الله :

[ 1- ( عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رجعنا من العام المقبل فما اجتمع من اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها , كانت رحمة من الله , فقيل له: على أي شيء بايعهم؟ على الموت؟ قال: لا , بايعهم على الصبر) ( رواه البخاري ).

البيعة في الحرب سنة نقلت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم لتثبيت القلوب وتذكيرها بعهد قطعته على أنفسها قبل المعركة.

الشجرة التي بايعنا تحتها: الشجرة التي تمت تحتها بيعة الرضوان عام (6هـ) , وفي العام المقبل سنة (7هـ) لم يعرف اثنان منا مكان الشجرة , وهذه رحمة من الله حتى لا تصبح الشجرة شيئا مقدسا , ثم تنتشر البدع والخرافات من خلال وجودها وحتى لا يأتي الناس للتبرك بها , وحديث جابر في مسلم: (بايعنا على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت).

والشجرة هي سمرة من أشجار الصحراء , وقد خفيت على الصحابة في العام الذي تلا الحديبية خوفا من الفتنة.

( عن عبد الله بن زبد رضي الله عنه قال: لما كان زمن الحرة أتاه آت فقال له: إن ابن حنظلة يبايع الناس على لموت , فقال لا أبايع على هذا أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ( رواه البخاري).

الحرة: معركة وقعت بالمدينة سنة (63هـ) , وسميت الحرة لأن خيول (يزيد) اقتحمت الحرة ( وهي أول مرة تقتحم فيها الخيول حجر الحرة) لأن الحرة منطقة حجارة سوداء تحيط بالمدينة من شرقها بحرة ( واقم)  ومن غربها بحرة (الوابرة) ولذا يقال ما بين حرتيها أو لابتيها , ويعنون بها هاتين الحرتين , وعندما استباح جيش (يزيد) المدينة قام الصحابي عبد الله بن حنظلة يبايع الناس على الموت لمقاتلة يزيد بعد خلع بيعته.

(عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم ثم عدلت إلى ظل شجرة , فلما خف الناس قال: يا ابن الأكوع ألا تبايع؟ قال: قلت: قد بايعت رسول الله , قال: وأيضا , فبايعته الثانية , فقيل له: على أي شيء كنتم تبايعون يومئذ؟ قال: على الموت).

لقد كان صلى الله عليه وسلم يختار بعض أصحابه الذين يعدهم للمهمات في المستقبل ثم يأخذ عليهم عهودا خاصة يتميزون بها عن بقية الصحابة , كما أخذ على ثوبان و أبي بكر وفئة من الصحابة (أن لا يسألوا الناس شيئا ) فكان أحدهم يسقط سوطه من يده فلا يطلب من أحد مناولته إياه.

والبيعة دائما على البر والتقوى , لأن عهد على التعاون على البر التقوى ولا يجوز البيعة على الإثم والعدوان , كمن يتعاهدون عهدا خاصا ثم يطلب من المبايع بعد فترة أن يعمل أعمالا لا يرضاها الله , ولا تقرها الشريعة كمقاطعة فلان , والتجسس على فلان وتتبع عورات الآخرين.

يجوز للمسلم أن يعطي عدة بيعات لعدة أشخاص , فيعطي الشيخ بيعة أن يجاهد معه , والآخرين بيعة أن يتلقى العلم على يديه ويتربى على يديه , ولا معارضة بين هذه البيعات , ولا يجوز لأحد أن يفرض طاعته في كل شيء على من عاهد على شيء ولا يجوز لأحد أن يحتج ببيعته ليمنع المبايع من عمل بر نص عليه الكتاب والسنة كالجهاد في سبيل الله مثلا , لأن البيعة عندئذ تنقلب إلى بيعة على الإثم ( وإنما الطاعة بالمعروف) ( ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق )] .أهـ .(1))
ويستعجب الشيخ من الذين يجعلون بيعة أمير الجهاد كمثل بيعة الخليفة في نفس الكتاب, ص 800: 
(كذلك مسألة البيعة في التنظيمات؛ وتفاصيل قيامها وحلها وتبعاتها من الحقوق والواجبات . فقد ذهب البعض إلى أنها مجرد عهد أو أقرب للقسم يتحلل معطيها من تبعاتها متى أراد ذلك . ويكفيه على أبعد حد صوم ثلاثة أيام كمن تعذر عليه وفاء النذر. في حين ذهب البعض إلى أن بيعة التنظيم مثل بيعة الإمام الأعظم لا يمكن للعنصر أن يخرج منها إلا أن يرى كفراً بواحا  عنده فيه من الله  برهان!!)
وعلامات التعجب ليست مني!!
ثم ذكر الشيخ أبو مصعب أن الغموض في مثل هذه الأمور من أخطاء التيار الجهادي في الكتاب ذاته وذكر أيضا أنه يرى جواز الخروج من مثل هذه الجماعات إذا أصبحت لا تؤدي إلى الأهداف المنشودة, ص 845:
(7- عدم القدرة على تحديد المضمون الشرعي والحركي لعدد من المفاهيم الأساسية :
طرح المشروع الجهادي المعاصر عددا من المصطلحات والمسميات  الأساسية التي أعتمد عليها في البناء التنظيمي والسلوك الحركي للجماعات الجهادية . ولكن هذه أوجد إشكاليات لم يستطع الجهاديون حلها وتبيينها , ومن ذلك : 

** الجماعة المجاهدة: ما هي؟ وما هو تعريفها ؟ ما طبيعة علاقتها مع ما حولها من الجماعات ؟ وما مشروعية تعدد تلك الجماعات المجاهدة وغير المجاهدة ؟ وما نسبة صلاحياتها وفحواها إلى جماعة المسلمين العامة؟  وما مسوغات و شرعية وجودها؟

**الإمارة والشورى والقرارات: ما حدود صلاحيات الأمير في علاقاته مع من حوله من القواعد والقيادات ومؤسسات الجماعة ؟ وبالتالي طريقة اتخاذ القرار في الجماعة ؟ والشورى وطبيعتها  و إلزاميتها ؟ و هل هي إمارة خاصة أم عامة ؟.

**البيعة والسمع والطاعة: ما هي طبيعة هذه البيعة ؟ وما فحوى عقدها ؟ وبالتالي الحقوق والواجبات المتبادلة بين الأمير والفرد أو بين الفرد والجماعة؟  وكيف تنحل ؟ وبناءً على ماذا؟

وما ذا يترتب على نقضها؟ ومتى يكون مشروعاً ومتى يحرم ؟ إلى آخر تلك المسائل.. التي لم يتم تحديدها في التيار الجهادي بدقة واختلفت من تنظيم لآخر. وفي حين اعتبر أكثير الجهاديين في مناهجهم أن جماعتهم هي جماعة من جماعات المسلمين , وأنها إمارة جهاد. وأن البيعة محدودة بتلك الواجبات . إلا أن واقع الحال جعل بعض تلك الجماعات يتصرف عملياً كأنها جماعة المسلمين في قطرها. وصرح بعض أكابر التيار الجهادي بأن جماعتهم هي الجماعة الشرعية الوحيدة في البلد الفلاني , وبالتالي قاوموا بشتى السبل ميلاد جماعات أخرى , أو استمرار وجود سابقات عليها . بل ذهب البعض إلى السعي باستخلاص فتاوى تبيح  للجماعة المجاهدة توحيد صف الجهاد بالقوة والعنف لتصفية وجود جماعات أخرى! ووجد بعض الشواذ الذين يفتون بذلك ضمن ما لحق بالتيار الجهادي من بعض طلاب العلم ممن تصدروا للفتوى في التيار الجهادي نتيجة غيبة العلماء عنه. كما اتخذت بعض الجماعات سجوناً وعقوبات ومحاكم تنظيمية دونما تحديد لتلك الحدود والصلاحيات . فقد ولدت إشكالات واقعية في التنظيمات. وقد أضافت السرية والأوضاع الأمنية وضعاً شاذاً عقد من تلك المسائل.

فقد سألت البعض من طلاب العلم من أصلا التيار الجهادي حفظه الله , عن مشروعية ترك الفرد لجماعة ما إذا لم يناسبه المسار أو رأى عقمه بعد أن دخل فيها .  فقال لي لا يجوز إلا أن يرى كفراً بواحاً عنده فيه من الله برهان !! وبالتالي سحب على أمير الجماعة حقوق الإمام الأعظم! فلما سألته ماذا لو رأى عقماً بواحاً. أو فوضى بواحة. أو إفلاساً بواحاً . وتيقن  أن ما توخاه من الالتحاق بالجماعة الفلانية لن يحقق أهدافه؟ هل يستمر طول عمره هكذا ! ولا يحل له أن يتحول الجماعة أخرى أو يسعى في جماعة جديدة!؟  فحار الرجل في الجواب لما تفكر بأبعاد المشكلة .

فإذا كانت الجماعة تستطيع فصل عنصر فيها, وإخراجه من الجماعة. فلم لا يحق له فصل نفسه والانسحاب ؟ وكيف نحل في هذه الحالة مشكلة الأسرار التي عنده؟. إلى آخر ذلك من المسائل..

لقد كان هناك إشكاليات حقيقية في تقنين ذلك والإفتاء فيه ؟  وفي العمل على أسس لم تتحدد..

وهي مشاكل ليست موجودة في جماعة المسلمين العامة بشكلها الطبيعي . فأمير المؤمنين لا يستطيع فصل مسلم ما من جماعة المسلمين حتى ولو لم يبايعه ما لم يخرج عليه . ولا يستطيع العنصر في الأمة أن ينسحب منها. ولا يترتب عليه بحكم بيعته وطاعته العامة لأمير المؤمنين من الحقوق والواجبات ما يترتب على العنصر في جماعة ما جهادية أو سواها.

لقد فتحت إشكالية غياب الإمامة العظمى وزوال الهيكل السياسي للأمة إشكاليات كثيرة. ولما قامت جماعات لحل تلك الإشكالية واضطرت للسرية بفعل بطش الأنظمة , انفتحت إشكالات أخرى لا حل لها . وكان هذا  بعض مظاهر ما فيه الأمة بسب غياب دار الإسلام  والإمامة والشريعة  وتوابع ذلك. وكانت هذه الإشكاليات بعض مظاهر خلل المناهج التي طرحت وعجزها , ليس في التيار الجهادي وحسب . وإنما على مستوى تنظيمات الصحوة كلها.)        

وللمزيد من الفائدة, إليك بحث كامل في المسألة, وجدته في منبر التوحيد والجهاد (ولاحظ كيف منع هذا المؤلف التعدد في الجماعات الجهادية لأجل ما قد يفوتهم من المقاصد الشرعية...وقد بينا آنفا أن مثل هذه المقاصد قد تفوت أيضا ب"الوحدة" تحت أمير متسلط!!):

(البيعة؛ صورها، ووجوب الوفاء بها
الكاتب : عبد الحكيم حسان

الفرق بين البيعات الخاصة وبيعة الإمام الأعظم

فائدة هامة في الفرق بين البيعات الخاصة أو المؤقتة وبيعة الإمام الأعظم - خليفة المسلمين -:

يخلط بعض الناس بين البيعة الواجبة لأمير المؤمنين المُمَكَّن والذي رضيه أهل الحل والعقد أو تولى على الناس بطريقة صحيحة، وبين البيعات الخاصة لأمراء جماعات الجهاد مثلا، مع أن هناك فروقا جوهرية بينهما.

نذكر أهمها على وجه الاختصار:

1) العاقد للبيعة:

بيعة إمام المسلمين يعقدها أهل الحل والعقد، أو الخليفة السابق بعهد منه، أو يختاره جمهور الناس ولا يرضوا عنه بديلا، إلا إذا غلبهم أحد بالسيف.

أما بيعات الناس وعهودهم على الطاعات؛ فلا تفتقر إلى هذا الاختيار من أهل الحل والعقد أو اتفاق جمهور الناس، فللعامة أن يتعاهدوا فيما بينهم على فعل الطاعات - كما بينا سابقا - فلا يجوز تسمية من يختاره بعض الناس أميرا عليهم للقيام بطاعة من الطاعات خليفة أو أميرا للمؤمنين، ولا أن يُعطى ما لأمير المؤمنين أو الخليفة من الحقوق ولا أن يُنزل منزلته.

2) المُبَايَع له - الأمير -:

في بيعة الإمامة يجب أن يكون المُبَايَعُ له مستوفيا لشرائط الإمامة [55]؛ من قرشية وغيرها، وقد تستثنى بعض الشروط لمن غلب بالقهر.

أما في بيعات الناس وعهودهم على الطاعات؛ فلا تلزم هذه الشروط، لأنها بيعات خاصة، فقد يبايع الناس من ليس بقرشي ولا مجتهد ولا حر، وهذا أيضا مستفاد مما ذكرناه من الأدلة سابقا.

3) المُبَايَع عليه:

بيعة الإمامة تلزم الإمام بواجبات، هي في مجملها تطبيق أحكام الإسلام على وجه العموم، والسهر على مصالح الأمة [56]، وتلزم هذه البيعة كل أفراد الأمة بالسمع والطاعة للإمام ونصرته، ما لم يتغير حاله بما يوجب سقوط بيعته.

أما بيعات الناس وعهودهم؛ فلهم أن يتعاهدوا على فعل أي طاعة من الطاعات - كالجهاد أو الدعوة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو إغاثة الملهوف ونصرة المظلوم وهكذا - فلا يُشترط لصحة هذه البيعات أن تكون على إقامة أحكام الإسلام كلها، وهذا أيضا قد سبق بيانه فيما سقناه من أدلة.

4) الوجوب والإلزام:

بيعة إمام المسلمين؛ واجبة على كل مسلم، لا يسع أحد التنصل منها أو الخروج عليها البتة.

لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (وستكون خلفاء فتكثر، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول) [57]، فأمر بالوفاء ببيعتهم.

وذم من لم يبايع في قوله صلى الله عليه وسلم: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) [58].

وأمر بلزوم هذه البيعة في قوله صلى الله عليه وسلم: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) [59].

وقد قال أحمد بن حنبل: (ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين، لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماما عليه، برا كان أو فاجرا، فهو أمير المؤمنين) [60].

أما بيعات الناس وعهودهم على الطاعات؛ فلا تجب إلا على من دخل فيها برضاه، فتجب عليه بالعهد الذي ألزم به نفسه، كأن يتعاهد اثنان على حفظ القرآن أو بعضه، فحفظ القرآن ليس بواجب على كل مسلم من حيث الأصل، أما إذا عاهد غيره عليه فقد وجب عليه الحفظ بالعهد لا بالأصل.

5) المدة:

بيعة الإمام دائمة لا تنقطع إلا إذا مات الإمام أو طرأ عليه سبب يوجب العزل من نقص في الدين أو نقص مؤثر في البدن [61].

أما بيعات الناس وعهودهم؛ فيمكن أن تؤقت بأجل أو عمل، فلهم الاختيار في قدر مدتها ونوعها بخلاف بيعة الإمام.

6) التعدد:

لا يصح أن تعقد الإمامة لإمامين للمسلمين.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فوا ببعية الأول فالأول).

وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما) [62].

فلا يصح تعدد الأئمة ولا يصح أن يعطي المسلم بيعتين لإمامين.

أما بيعات الناس وعهودهم؛ فيجوز فيها التعدد إذا احتمل المُبَايَع عليه التعدد، فيجوز للفرد أن يعاهد طائفة على حفظ القرآن، ويجوز لنفس الفرد أن يعاهد طائفة أخرى على حفظ حديث النبي صلى الله عليه وسلم... وهكذا، طالما كان في قدرته الوفاء بكل هذا، أما ما لا يحتمل التعدد فلا يصح أن يعاهد أكثر من طائفة.

ولا يصح أن تتعدد الطوائف العاملة في الجهاد - مثلا - لأن الجهاد لا يقوم إلا بالشوكة التي هي ثمرة الاجتماع والموالاة، والتعدد ينافي الاجتماع المقصود والموالاة التي تحقق القوة والشوكة، بل قد يؤدي هذا التعدد إلى ذهاب الشوكة، قال تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا}، كما أن التعدد يؤدي في كثير من الأحيان إلى إضرار كل طائفة بالأخرى لتعارض الخطط وانعدام التنسيق، فقد تقوم طائفة بعمل عسكري يؤدي إلى أن يوجه العدو ضربة لطائفة أخرى غير مهيأة للمواجهة، وكل هذا من سيئات التعدد.

7) أحاديث البيعة:

الأحاديث التي ورد فيها ذكر البيعة المطلقة؛ يجب أن تحمل جميعها على بيعة إمام المسلمين - الخليفة أو أمير المؤمنين أو السلطان الأعظم - هذا باستثناء ما وقع من بيعات خاصة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبعض صحابته - كما سبق بيانه - وقد ثبت هذا باستقراء الأدلة الواردة في هذا الباب، ولا يصح حمل هذه الأحاديث بحال من الأحوال على عهود الجماعات، وإن سموا عهودهم بيعات.

والأحاديث التي ورد فيها ذكر البيعة؛ وردت إما مقيدة ببيعة الإمام، وإما مطلقة دون ذكر الإمام، فالواجب حمل المطلق على المقيد خاصة إذا اتحد الحكم والسبب عند جمهور أهل العلم.

فمن الأحاديث التي وردت بها البيعة مقيدة بالإمام:

قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وستكون خلفاء فتكثر، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول).

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما).

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر).

أما الأحاديث التي ورد بها ذكر البيعة مطلقة؛ فأهمها حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية).

والذي دعا إلى القول بأن هذه البيعة هي بيعة إمام المسلمين وإن وردت مطلقة، هو حديث ابن عباس مرفوعا: (من كره من أميره شيئا فليصبر، فإن من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية).

والخروج من السلطان؛ هو السعي في نقض بيعته، فاتحد السبب في الحديثين: حديث ابن عمر وحديث ابن عباس؛ وهو الخروج من بيعة السلطان أو ترك مبايعته بعد اتفاق الناس عليه، واتحد الحكم في الحديثين؛ وهو الميتة الجاهلية لفاعل هذا، فوجب لذلك حمل المطلق - حديث ابن عمر - على المقيد - حديث ابن عباس - وأن البيعة المقصودة في حديث ابن عمر هي بيعة إمام المسلمين إن وجد، لأن حديث ابن عباس ذكر أن هذا حكم من خرج على السلطان، فالحديث يقتضي وجود سلطان قد خُرِج عليه.

وحديث ابن عباس السابق ورد له رواية بلفظ: (فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية)، وفي الرواية الأخرى: (فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات إلا مات ميتة جاهلية)، فكلمة "الجماعة" في الرواية الثانية؛ معناها جماعة المسلمين التي في طاعة السلطان، وليس المراد بها أي جماعة، فالجماعة المراد بها اجتماع الناس على السلطان.

ويؤيد هذا الفهم حديث عرفجة عند مسلم فيمن يخرج على إمام المسلمين، فوصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه يشق عصا المسلمين ويفرق جماعتهم، وهذا معناه أن الخروج على السلطان؛ هو الخروج على جماعة المسلمين.

فعن عرفجة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهى جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان).

وأوضح من هذا الرواية الأخرى عن عرفجة أيضا؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه).

و "اللام" في لفظ الجماعة للعهد وليست للجنس، أي أن هذا الوعيد في الحديث في حق من خرج على جماعة معينة وليس أي جماعة، والقرينة التي وردت في سياق الحديث ترجح هذا، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: (من رأي من أميره شيئا يكرهه فليصبر)، فالجماعة المرادة هي جماعة المسلمين التي في طاعة السلطان، كما في حديث حذيفة: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم).

ومن أوضح النصوص في هذا الشأن؛ ما رواه مسلم عن أبي هريرة مرفوعا: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة ثم مات، مات ميتة جاهلية)، وفي الرواية الأخرى للحديث: (فكأنما خلع ربقة الإسلام من عنقه) [63].

قال العلماء: (قوله: "من الطاعة"؛ أي طاعة الخليفة الذي وقع الاجتماع عليه، "وفارق الجماعة"؛ أي خرج عن الجماعة الذين اتفقوا على طاعة إمام انتظم به شملهم واجتمعت به كلمتهم وحاطهم عن عدوهم) [64] اهـ.

وقال ابن حجر رحمه الله: (والمراد بالجماعة: جماعة المسلمين، أي فارقهم أو تركهم بالارتداد، فهي صفة للتارك أو المفارق لا صفة مستقلة) [65].

ويقول المباركفوري في شرح المقصود بهذه اللفظ: (يقول؛ من خرج من طاعة إمام الجماعة أو فارقهم في الأمر المجتمع عليه؛ فقد ضل وهلك) [66].

والمقصد مما سبق؛ ألا تضع جماعة من الجماعات الإسلامية هذا الحديث في غير موضعه، فتصف من خرج عليها بأنه خرج عن جماعة المسلمين وهو مستحق للقتل، وإذا مات فإنه يموت ميتة جاهلية، فهذا وضع للنصوص في غير موضعها، والجماعة في هذا الحديث هي جماعة المسلمين التي في طاعة السلطان الشرعي، وليست أي جماعة، هذا الذي يظهر من نصوص كلام أهل العلم في شرح هذه الأحاديث، وإلا فقد تدعي كل جماعة ما تدعيه الأخرى من أنها الجماعة المعنية بهذه الأحاديث، فيضطرب الحال وتحدث الفتنة.

ولذلك يمكن القول؛ بأن كل من ترك دينه - كالمرتد - فقد فارق جماعة المسلمين بردته وخروجه عن دينهم الذي هم عليه، وليس كل من فارق الجماعة فيما هم عليه فهو تارك لدينه - كالباغي على جماعة المسلمين - فقد سماه الله مؤمنا في قوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بعت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله}، فقد سمى الله كلا من الطائفتين مؤمنتين مع وجود الاقتتال بينهما والبغي من أحدهما.


[55] قد ذكرنا بفضل الله تعالى مختصرا لهذه الشروظ في مبحثنا الخاص بأصناف الحكام وأحكامهم فليراجعها هناك من أراد التفصيل.

[56] قد عقدنا بفضل الله تعالى فصلا في الواجبات المنوطة بالإمام والتي يجب عليه القيام بها في المبحث السابق قلتراجع هناك.

[57] رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبوعوانة عن أبي هريرة.

[58] رواه مسلم والبيهقي والطبراني وابن أبي عاصم عن ابن عمر رضي الله عنهما.

[59] رواه البخاري ومسلم وابن ماجة والبيهقي وأبو عوانة والحاكم كلهم عن حذيفة.

[60] الأحكام السلطانية لأبي يعلى: 20 - 23.

[61] انظر مسببات العزل بالأحكام السلطانية للماوردي: 17 - 20.

[62] رواه مسلم وأحمد والبيهقي وأبو عوانة والطبراني عن أبي سعيد الخدري.

[63] رواه بهذا اللفظ الترمذي وابن خزيمة وابن حبان وصححه من حديث الحرث بن الحرث الأشعري.

[64] سبل السلام: 3/1228، باب (قتال أهل البغي).

[65] فتح الباري: 12/201 - 202.

[66] عون المعبود: 13/73.)

عاشرا:  حركة الشباب المجاهدين – بتكوينها الحالي وبأميرها الحالي – أصبحت عقبة في طريق إقامة الخلافة الإسلامية... لأجل وقفها أمام طموحات المهاجرين للمشاركة في الجهاد العالمي ولأجل وقفها أمام طموحات من يريد تحويل الجهاد الصومالي إلى جهاد أمة. إذن, لا يجب الوحدة مع هذه الحركة على هذا الأساس.

الحادي عشر: أكثر ما لأمير حركة الشباب المجاهدين على الناس من الطاعة – أي: على من لا يريد الانضمام تحت إمارته كأمير حركة – أنه ينبغي السير على ما وضعه من الضوابط – الموافقة للشرع – على الشعب عامة, في داخل ما يسيطر عليها من الأراضي الصومالية... على أساس أنه متسلط عليها بقوة. وهذا لا يمتد لغير ما سيطر عليه من الأراضي (كمثل شمال الصومال) وهذا أيضا لا يمتد لما هو خارج عن الضوابط الداخلية (أي: عن ضوابط المرور, وأخذ الزكوات, وإقامة الجمعات, وغير ذلك من الشعائر...دون ما يتعلق بنشاطات الناس الخاصة وبأعمالهم خارج الصومال). 

وبالخصوص لا يمكن لأمير حركة الشباب المحاهدين منع الناس من الإعداد (بما فيه جمع الأموال والتدريب العسكري) ومن التجهيزات لضرب مصالح من يغزو ويحتل الأراضي المسلمة. فلسنا ملزمين في المناطق التي يسيطر عليها إلا بالوفاء بعهد معتبر. 

وكما هو معروف, العهود مع المتردين غير ملزمة وإنما تجوز في حالة الضرورة القصوى. وكذلك العهود مع المحتلين غير ملزمة فيما يتعلق بالكف عن استرجاع الأراضي المحتلة. 

الثاني عشر: ليس كافيا في سبيل المشاركة في الجهاد العالمي وفي سبيل إقامة الخلافة السعي لمجرد تحقيق السيطرة على الصومال فحسب (دون إتاحة الفرصة لمن يريد مساعدة إخوانه في العالم ممن يعيش في الصومال). 

كل من قرأ كتاب الشيخ أبي مصعب السوري (فك الله أسره) باسم (دعوة المقاومة) سيفهم جيدا أنه كان مهاجما على من كان يريد العمل القطري دون العمل العالمي. فالجماعات في السابق كانت تعمل لإنشاء دول إسلامية في دولها الخاصة بغض النظر عن ما كان يجري في سائر البلدان. وفي بعض الأحيان كانت مصلحة القطر الواحد تناقض ما في مصلحة الأخرى ولا تنسيق ولا تعاون.

فكيف يمكن لمن يدعي الفكر العالمي أن يتبنى العمل القطري كحل للأمة أو كوسيلة لإقامة الخلافة؟

أين الوحدة؟

وطبعا نقر بأن الخلافة لن تنزل إلى الأرض كمائدة من السماء...ولكن بنفس هذا الاستعجاب نسألكم: أين الخطوات العملية من جانبكم وأين العلاقات الوثيقة مع المجاهدين وأين التنسيق اللازم والتعاون الحقيقي الذي سيؤدي إلى إقامة الخلافة؟ 

إذا كنا لا نراعي إلا ما في مصلحة قطرنا الضيق اليوم...فكيف إذا أصبحت القضية أكبر؟ هل نتوقع أن المفاهيم ستتغير في يوم وليلة؟ وهل نتوقع أن هذه العلاقات ستأتي بغير خطوات عملية مسبقة؟

بل, هذا الكلام ليس حلا, ولكنه حلم! فمجرد الانتظار ليس خطة عملية.

وبالإضافة إلى ذلك, أضيف أنه ليس من الشرع أن ننتظر الاذن من أي رجل بعد النبي صلى الله عليه وسلم لأجل القيام بالواجبات. فإقامة الخلافة واجبة ولا يجب – بل لا يجوز –  انتظار الاذن من القاعدة ولا غيرها في هذا المجال. 

مثل هذه الشبهات أشبه بما كان علماء السوء يشوشون على الناس به ليصدوهم عن الشروع في الجهاد.  

الثالث عشر: من الشبهات الواردة حول مسألة عدم مشاركة حركة الشباب المجاهدين في الجهاد العالمي أن المجاهدين في العراق أيضا يركزون على العمل في داخل العراق ولا يعملون في الخارج في الغالب.

والرد البسيط عن هذه الشبهة أن الإخوة في العراق يقاتلون العدو العالمي الأكبر!...فإذا جاء العدو إلى عقر دارك...لمذا الخروج منه للبحث عنه؟؟! قاتل أميركا واليهود حيث وجدتهم... ولا داعي للسؤال عن حيث يقع ميدان القتال معهم!

وبالإضافة إلى ذلك, لا يتجاهل أحد تأثير جهاد العراق على تحريك جبهات أخرى. فالزرقاوي (رحمه الله) كان حريصا على بناء الجبهات في الأردن, ولبنان, وحتى في السودان. وبعض الإخوة المشاركين في الجهاد العراقي رجعوا إلى اليمن كذلك.

الرابع عشر: ثم من الشبهات في هذا الصدد أن حركة الشباب المجاهدين هم من القاعدة! فيرى البعض أن هذا الاسم يكفي للمشاركة في الجهاد العالمي.

أولا: الانضمام إلى القاعدة ليس بمثابة الحصول على العصمة في الدين.

ثانيا: اختيار اسم القاعدة ليس بنفس مثابة تبني منهج القاعدة. فالعبرة في الحقائق دون الأسماء.

ثالثا: تاريخ حركة الشباب المجاهدين حافل بالاختلافات مع عناصر القاعدة (وأنا شخصيا سمعت عن هذا الاختلاف من أفواه أبي عبد الله والنبهان وسمعته من الثقات عن أبي إبراهيم وفزول). والتاريخ أيضا حافل بأمثلة تدل على تركيز الحركة على مجرد قتال المرتدين في داخل الصومال دون التركيز على العمليات الخارجية أو على إنشاء الجبهات خارج الصومال. 

رابعا: الكفار أنفسهم فهموا الفرق بين الأقوال والأفعال وقرروا أن أفعال حركة الشباب المجاهدين تفيد أنهم لا يتبنون فكر عالمية الجهاد.

الخامس عشر: أيضا من ضمن الشبهات: أن الامكانيات اللازمة للقيام بعمليات خارجية ليست موجودة في الصومال.

قيل عن سبب ذلك: أنه لا يوجد وقت فارغ ولا كوادر قادرون (غير محروقين) للقيام بهذه العمليات. وربما تأتي شبهة قلة الأموال تابعة.

ولكن لفهم حقيقة هذه القضية... ما علينا إلا النظر إلى ما قام به الإخوة في اليمن في ولادة جبهتهم حيث كان تركيزهم على العلميات الأمنية. فهم أرسلوا عمر الفاروق إلى عقر دار أمريكا, وأسقطوا بعض الطائرات الأمريكية, وفجروا بعض المرتدين خارج الحدود اليمنية. نفذوا هذه العمليات الخارجية بأموال قليلة في حين أنهم لم يكونوا مسيطرين على أراضي في مدة قصيرة (أقصر من مدة وجود حركة الشباب المجاهدين بكثير).

فالمسألة هي مسألة وضع التركيز وليست مسألة عدم القدرة. 

وأيضا, دلالة على ذلك, عندما اشتعلت الحرب بين الإخوة والمرتدين في اليمن...أصبحنا لا نسمع من الإخوة عن العمليات الخارجية بنفس الكثافة السابقة. وهذا لا شك راجع إلى قرارهم بأن يغيروا تركيزهم إلى العمل الداخلي. 

أما نحن في الصومال...فتركيز حركة الشباب المجاهدين دائما كان في الداخل والمهاجرون لم يجدوا أي فرصة للمشاركة في أي عمل غير الأعمال الداخلية (إلا بضعة أفراد وظفوا في الخارج فيما يرجع نفعه إلى أغراض داخلية). هذا هو الحال مع أن كثيرا من الإخوة لم يكونوا محروقين إلا بعد طول المكث في الصومال بغير برنامج. وهذا مع أن مصادر الأموال متوفرة لديهم ولكن المهاجرون منعوا من البحث عنها. وهذا مع أن النبهان وفزول هما من الكوادر القادرين على العمليات الخارجية ولكنهما لم يجدا الترحيب المتوقع من الحركة في هذا المجال (حسب ما قالا هما دون ما قيل عنهما).


The History

/**/التريخ/**/

بسم الله الرحمن الرحيم 

بعد الحمد والشكر لله والصلاة على رسوله أقول:

إخوتي الكرام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عليكم بمعرفة بعض الحقائق المرة. فلقد لبث الإخوة من القاعدة في الصومال لمدة عقدين من الزمن ولم يستطيعوا تغيير الوضع كثير الشيء رغم الجهود الجبارة. وهذا لسبب الطبع الصومالي الذي يمنع من التدخل الخارجي ويمنع من الاقتراحات من الغير. بل هم أهل مكة وهم أدرى بشعابها ولا يعرف القيادة أحد مثلهم!

وكما تعرفون الجهاد مر أطوارا منذ سقوط حكومة سياد بري. وكان رؤساء الجهاد في الوقت المبكر من الجهاد الشيخ حسن تركي والشيخ حسن ظاهر أويس. وكانا يتعاملان مع الإخوة على الأساس التعاون على البر والتقوى (ما دام زمام الأمور في أيديهما!). وهذا الزمان شاهد وجود رجال مثل العييري والمقرن على أرض الصومال وكذلك شاهد وجود رجال أمثال أبي حفص المصري وفازول (كما كتب في كتابه التاريخي).

وكانت الجماعة الممثلة للمجاهدين الصوماليين في ذاك الوقت جماعة باسم الاتحاد الاسلامي وأنشائوا جبهات في (جيدو) و(بوصاصو) و(مقديشو) و(أوجدين). وكان أبو طلحة السوداني أيضا موجود في ذاك الوقت في بوصاصو حسب ما سمعت من الأنصار.

ثم بعد حدوث بعض الخسائر وتدخل الأمريكان أخذ هؤلاء القرار بأن يتفرقوا وأن يدفنوا الأسلحة (وكان السبب الأساسي في ذلك هيمنة بعض السروريين وأصحاب المصالح على قيادة الجهاد). فتفقرقوا ولكن الجهاد استمر في (جيدو) و(أوجدين) فترة من الزمن وفي مقديشو (حيث حصل سقوط المروحيات) وأيضا كان للشيخ حسن تركي معسكر في راس كيامبوني وكانت القاعدة تدعم هذا المعسكر اقتصاديا.

ثم بعد فترة نشأ حسن ظاهر أويس جماعة اسمها الاعتصام وكانت مثل الاتحاد في كل شيء ولكنها لم تنتج أي شيء كبير. إلا أن حسن ظاهر أويس كان يسعى في ذاك الوقت في حشد القبائل حول الشريعة وهذه النشاطات أدت إلى تكوين بعض المحاكم الإسلامية التي اجتمعت تحت غطاء اتحاد المحاكم الإسلامية في 2006.

هذه هي المرحلة الأولى من الجهاد في الصومال المتصف بوجود رجال القاعدة بكثرة والمتصف بوجود دور حقيقي للقاعدة (ما دامت الأمور الداخلية في أيدي حسن تركي وحسن ظاهر).

أما المرحلة الجديدة فهي عبارة عن بروز الرجال الذين كانوا كتلاميذ حسن ظاهر أويس إلى مناصب القيادة. ومنهم أبو منصور مختار روبو وآدم حاشي عيرو وغيرهما. والفرق بينهم وبين حسن ظاهر أنهم ذهبوا إلى أفغانستان وشربوا بعض الأفكار العالمية. لأن الجهاد الصومالي في المرحلة الأولى كان محليا بحتا.

أما دخول أبي الزبير في القضية فسيرته غامضة بعض الشيء لأنه كان في باكستان أيام الروس ولا أحد يعرف بيقين هل شارك في الجهاد أم مكث في بيشاور فقط. ثم ذهب إلى (هرجيسا) حيث كان يدعو إلى الجهاد والعقيدة الصحيحة ويحاول في إنشاء بعض الأعمال هناك. ولكن طبيعة (صومالي لاند) يختلف عن طبيعة الجنوب من ناحية النظام والولاء الشديد للكفار. فاضطر إلى الذهاب إلى الجنوب واجتمع هناك مع آدم حاشي عيرو وكون معسركا جديدا في مقديشو باسم (معسكر صلاح الدين). وهذا في السنوات ما بين 2001 وما بين 2006. وغالبا حول 2002 و2003. 

وحسب ما فهمت من الانصار كان أبو الزبير هو أمير هؤلاء الرجال من بداية انشاء معسكر صلاح الدين ولم يكن آدم حاشي عيرو أميرا. بل كان هو النائب أو الأمير العسكري.

وكان الغرض وراء هذا المعسكر, رغم تأثر البعض بأفكار القاعدة, مجرد التدريب لأجل العمل في داخل الصومال فقط. وبعد فترة سيطروا على مواقع مهمة في مقديشو وخاف منهم أمراء الحرب. بل خاف الأمريكان وتسارعوا إلى دعم هؤلاء المجرمين ضد المجاهدين لغرض أسرهم أو قتلهم.

ولكن معسكر صلاح الدين لم يكن المعسكر الوحيد أو الجماعة الوحيدة في الساحة. بل كان هناك معسكر راس كيامبوني وبعض المعسكرات الصغيرة في مقديشو (كثل ياقشيد ومعاذ بن جبل) وكانت القاعدة أيضا موجودة. 

وهنا ألوم الإخوة من القاعدة بعض الشيء (وأقصد أبا طلحة السوداني وأبا عبد الله وفازول والنبهان) لأنهم رغم نياتهم الصادقة (كما نحسب والله حسيبهم) نشأ في تلك البيئة الشعور التنافسي بينهم وبين معسكر صلاح الدين. وأكثر الحمل على الأنصار في ذلك لأنهم لا يقبلون المساعدة وأيضا لا يقبلون العمل في غير جماعتهم ولكن كان من المفترض أن يكون عمل القاعدة في الصومال لغرض خارجي فقط من البداية.

والمهم من هذا أن كثيرا من الشباب الصوماليين احتفوا حول أبي طلحة السوداني لأجل ما للقاعدة من شهرة ومنهج وهذا سبب بعض الحسد في قلوب معسكر صلاح الدين. وقيل لي أن أبا الزبير كان يبحث عن فتوى لقتل أبي طلحة منذ ذاك الوقت. والله أعلم بالصواب.

وأخيرا, ربما لأجل هذه الفرقة, ذهب الإخوة من القاعدة إلى راس كيامبوني للتركيز على تدريب الإخوة الصوماليين الكينيين لكي يقوموا بالعمليات الخارجية. ورغم محاولات من البعض (كمثل الشيخ فؤاد) للإيجاد الوحدة بين معسكر صلاح الدين والقاعدة لم يتم ذلك إلا قريب من 2006 عند القتال الكبير وتكوين المحاكم. فاجتعوا لأول مرة تحت اسم (الشباب). وذلك قبل تكوين حركة الشباب المجاهدين في سنة 2008 التي هي عبارة عن معسكر صلاح الدين فقط.

ويجدر بالذكر هنا أن الربط بين الإخوة من القاعدة وبين الشيخ حسن تركي لم يكن لأجل ما في حسن تركي من منهج صاف. بل كان يميل إلى الفكر الإخواني وكان فيه بعض ملامح الوطنية والقبلية عفى الله عنا وعنه. ولكنه شديد الحب للمهاجرين (ما لم يؤثر عليه من حوله) وكان يحترم الإخوة من القاعدة جدا ويسمع منهم ويثق فيهم. فعندما نقول معسكر راس كيامبوني لا بد من الفهم بأن هناك حسن تركي وأجنداته وأجندات من حوله من رجال القبيلة وايضا هناك القاعدة وخططهم ونشاطاتهم.

فذهب الإخوة من القاعدة (مع من تدرب في المعسكر) مع رجال حسن تركي إلى مقديشو للمشاركة في الحرب وهنا ألوم الإخوة أيضا بعض الشيء. لأن الوضع لم يتغير في تلك السنين بالنسبة للحسد الموجود في قلوب معسكر صلاح الدين والتاريخ أثبت أن الصوماليين عامة لا يريدون أي تدخل من قبل القاعدة أو الاجانب في الشؤون الداخلية. فكان عليهم الاستمرار في التدريب والتخطيط وكان يكفي من ذلك مجرد إرسال حسن تركي ومن معه إلى مقديشو للمشاركة في الجهاد المحلي. وأخاف أن حسن تركي كان يطمع في بعض المناصب والقوة لو شارك في القتال بفعالية فحرض الإخوة من القاعدة على المشاركة معه بدعايات عدم تخذيل المجاهدين. والله أعلم بالسرائر.

وفي تلك المعارك استمر روح التنافس بين الجانبين (رغم وحدة الصفوف في أكثر الأحيان لأجل الأزمة) فقد ذكر لي أبو عبد الله السوداني بعض المواقف حيث كان واضحا منه أنه كان ينافس آدم حاشي عيرو في بعض المعارك. وفي نهاية القتال جاء وقت تقسيم المناصب ورجع الجو إلى ما كان عليه من الشحناء.

فهنا لا أدري ماذا أقول عن تصرفات الإخوة من القاعدة. فقد تفرقوا في ما بين أنفسهم ولم يحققوا أي استراتجية ملموسة. ففي حين دخول معسكر صلاح الدين في المناصب بقوة (حيث كان أبو الزبير يشغل منصب سكرتير الشيخ شريف! ونائبه الحالي كان مسؤول الامن الداخلي وهلم جرا) كان أبو طلحة وأبو عبد الله يركزان على قتال المحتل بالجيوش العظيمة (شبه حرب نظامية). فتركوا المناصب في مقديشو في أيدي من لا يوافقهم في كثير من الأمور المنهجية والاستراتجية. وهذا أدى إلى تخذيل هؤلاء الأمراء للجيش حين استعصى أبو عبد الله على أمر شريف واستمر في التقدم إلى (بيدوا) رغم الأمر بالبقاء. فجوابا على ذلك قطع شريف عليهم التمويل وترك الجيش يعتمد على الغنائم فقط (مع أن لكل أمير في مقديشو سيارة فاخرة من الغنائم وراتب جيد). وقبل ذلك, حيث فهم أبو طلحة اللعبة أخيرا, أخذ جيشا كبيرا من الصوماليين وبعض المهاجرين (وكنت معهم رغم جهلي بالوضع) وذهب إلى (كسمايو) حيث أعلن معسكر راس كيامبوني استقلالهم من المحاكم وتمركزهم في منطقة (جوبا). (وقد يكون هذا أيضا من الدواعي لتصفية أبي طلحة رحمه الله).  وأما فازول والنبهان فأرادا التقرب إلى الشيخ شريف (ومن ثم رجال معسكر صلاح الدين) لاجل الحصول على التمويل اللازم للقيام بعمليات خارجية.

ففي مثل هذا الوضع الحرج جاء أخبار الانسحاب وهرب أصحاب المصالح مع الأموال والمناصب وتركوا الجنود في حيرة من أمرهم واضطر كل خصم إلى التعايش مع خصمه في الغابة (وربما سبب هذا الوضع المبادرة من بعضهم إلى تصفية الحساب في ما بين أنفسهم والله أعلم). وكان أبو الزبير مع أبي عبد الله السوداني في الغابة إلى حد ثم رجع إلى المدن في وقت مبكر بعد انسحاب الأحباش من الغابات.

ثم جاءنا أبو الزبير وجماعته في راس كيامبوني بعد خروج أبي منصور البيحاني وجلست معه (لأنني عرفته سابقا حيث كان من القائمين على الجيش في معركة جلب رغم التدبير السيء وعدم المشاركة في القتال) ولكنني لم أفهم في ذاك الوقت السياسات التي كانت تدور. جاءوا في ذاك الوقت لأجل المصالحة مع راس كيامبوني لأن الأرض كله بيد العدو وكانوا لا يريدون الدخول مع العلمانيين في (أسمرا). ولكن رفض حسن تركي طلباتهم ودخل في جماعة (أسمرا). فخرج رجال معسكر صلاح الدين إلى المدن التي كان يسيطر عليها قاطع طريق باسم (اندعدي) الذي كان يحميهم من الأحباش والمرتدين. وكان هذا الرجل يقاتل الأحباش في معارك طاحنة وكان يحبه ابو عبد الله السوداني لأجل ذلك ولكنه صاحب مصالح وارتد أخيرا وما زال مرتدا. والله المستعان.
  
ومن هنا تعرفون بقية القصة.

والغرض من هذا كله إحاطتكم بأن التنافس في الصومال (ما بين الصوماليين أنفسهم وما بين الصوماليين والقاعدة وما بين رجال القاعدة أنفسهم) شيء طبيعي جدا وما زال مستمرا للأسف الشديد.

ورغم الدعايات من بعض الصوماليين بأنهم مع ركب الجهاد العالمي فأفعالهم في الماضي وفي الحاضر يدل على أنهم لا يريدون غير العمل الداخلي لأغراض محلية. ولا يخرجون من الصومال إلا لما في مصلحة الصومال دون مصلحة الجهاد العالمي. ورغم الدعايات بأنهم على فكر القاعدة, هم الذين طردوا القاعدة من الصومال والحق يقال أن حسن تركي وحسن ظاهر أويس (رغم ما فيهم من الأخطاء الشنيعة) كانا أفضل تعاملا مع رجال القاعدة منهم.

وكان يجب علي بيان هذا الحال وهذه الحقائق بعد الرسالة التي نشرتها في الانترنت عن منهج حركة الشباب المجاهدين بعد الخروج من معسكر راس كيامبوني. وإنما كنت مغرورا بالشعارات والكلامات الجميلة ولم أكن أعرف الحقائق كما لم يعرفها رجال القاعدة حق المعرفة إلا بعد اقتراب أجلهم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وصلى اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحله أجمعين
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

Photo 1
""A pic of the lavish benefits of narcissism"

Photo 2

Photos and Accompanying comment released by the Twitter account @abumamerican 

Sources:

No comments:

Post a Comment